مجدي سمعان
النيل يأتي إلي مصر حاملا معه مفرادت الحياة
التى تتمثل في المياه والطمي, الذي علي أساسهما قامت الحضارة المصرية. وفي المقابل حمل المصريين إلى أثيوبيا
العقيدة المسيحية، وظل رأس الكنيسة الأثيوبية مصريا لستة عشر قرنا متواصلة، منذ عهد البابا اثناسيوس
الرسولي (القرن الرابع الميلادي) وحتى عام 1959. تعاقب خلال هذه الحقب التاريخية 111 مطرانا
قبطيا.
قبل أعوام أثارت أزمة دير السلطان، بين الكنيستين القبطية والأثيوبية حول ملكية أحد الأديرة بمدينة القدس، تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الكنيستين, وخلال السطور القادمة سنكتشف أن تاريخ وجغرافيا العلاقة بين البلدين تتجاور بكثير هذه الأزمة.
تعود العلاقة بين الكنيستين المصرية و الأثيوبية الى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى حين قام بابا الاسكندرية أثناسيوس الرسولي بسيامة أول أسقف لاثيوبيا وهو الانبا سلامة في عام 330م. ومنذ ذلك الحين جرى التقليد أن يكون رأس الكنيسة الأثيوبية أسقفا مصريا يرسله بابا الاسكندرية، وبذلك تعتبر كنيسة الاسكندرية هي الكنيسة الأم لكنيسة أثيوبيا التى أصبحت جزءا من كرازة مار مرقس الرسول، و استمرت كنيسة الاسكندرية في سيامة وإرسال مطران كرسي أثيوبيا حتي عام 1959 حين توجت كنيسة الاسكندرية الأنبا باسيليوس كأول بطريرك أثيوبي للكنيسة الاثيوبية بعد مراحل من المفاوضات امتدت بين الكنيستين من عام 1941 الي عام 1959م .
خلال تلك الفترة الطويلة من الزمن لعب الأساقفة الأقباط
دورا مهما في تنظيم الكنيسة الأثيوبية ورعايتها، وفي تشكيل تقاليد الكنيسة
الاحتفالية والتعبدية.
يقول د. أنطون يعقوب، أحد الذين عملوا و عاشوا في اثيوبيا بداية من عام 1944م , و شغل منصب مدير كلية سلاسي للاهوت فيها في الفترة من 1997 و حتى 2000م: " الكنيسة الاثيوبية ما هى إلا كنيسة قبطية مزروعة في أثيوبيا فخلال عمر الكنيسة الاثيوبية خلال ستة عشر قرنا، منذ دخول المسيحية لها على يد المصري فرمنتيوس, و هي تستمد طقوسها و تقاليدها و أعيادها من الكنيسة المصرية, حتى ان التقويم الأثيوبي نفسه هو هو التقويم القبطى, و الاحتفال الرسمي الكبير برأس السنة في اثيوبيا هو إحتفال برأس السنة القبطية"
ومنذ تأسيس ايبارشية أكسوم صار التقليد في أثيوبيا ان يشغل رئيس كنيستهم مطران قبطي يحصل علي الجنسية الاثيوبية بمجرد وصوله, ويظل بها لا يرحل حتي نياحته.
وكان في كثير من الأحيان الذى يختار المطران الجديد هم الاثيوبيين أنفسهم الذى استقر عدد منهم في الأديرة المصرية. وما أن يصل المطران الجديد إلا وتقام الاحتفالات الشعبية ويستقبله الامبراطور.
و ما أن يتنيح المطران حتي يسارع الأباطرة الاثيوبيين بإرسال الرسائل والبعثات والهدايا الى بابا مصر طلبا لاختيار مطران جديد, لأنه كان بالنسبة لهم مصدر الإلهام و البركة. ولقد تعاقب على رئاسة الكنيسة الاثيوبية مئة وأحد عشر مطرانا قبطيا. وكانت رسامتهم فى الاسكندرية / القاهرة حدثا فريدا في الكنيسة يتم فى احتفالات كبيرة و فى جو من الفرح العام . وكان استقبالهم فى وطنهم الجديد لايقل روعة, يبدأ رسميا وشعبيا من وقت وصولهم البلاد حتي يصلوا الى مشارف العاصمة فى موكب ضخم من البشر ليجدوا الأمبرطور وأسرتة وحرسه ورجال الدولة في استقبالهم، وكان المطران القبطى يحظى بتبجيل فائق من جميع أفراد الشعب باعتباره راعيهم ومعلمهم الأول ورئيس الكنيسة، وكان يعتبر الرجل الثاني بعد الأمبراطور وهو الرئيس الأعلى والفعلي للكنيسة وله مطلق الحرية للعمل دون الرجوع الي البابا وقد أضيفت إلى مهام المطران القبطي رسميا آواخر القرن الثالث عشر تتويج الملوك وإضفاء الشرعية عليهم . بل كان له الحق في عزل الأباطرة اذا رأي أنهم خرجوا عن العقيدة.
وقد اضفى هذا أهمية و نفوذ كبير للمطران القبطي مما جعله ضرورة من ضرورات الحكم ومصدرا من مصادر استقرار البلاد .
وكان الولاء الأثيوبي لكرسى الاسكندرية ومطرانهم القبطي مثار لدهشة الكنائس الاخرى و كتب عنه الغربيون باعتباره لغزا يحتاج الى تفسير، فحتى فى ظل الحرب المصرية الاثيوبية فى عهد اسماعيل باشا لم يتاثر ولاء الكنيسة الأثيوبية للمطران القبطي.
وخلال هذه الحقبة التاريخية الطويلة نقلت الكنيسة القبطية تراثها الى أثيوبيا وجعلت منها كنبسة قبطية مازال يشار اليها بهذا الاسم حتي الآن فى الاوساط الأجنبية.
وخلال حقبة الأربعينات سافر الى أثيوبيا عدد من الاقباط الذين عملوا بها سنوات عدة في مجالات الزراعة والمحاسبة وبعض الوزارت والطب والهندسة، وفي شركة الطيران الوطنية.
وكان الحج الي الآراضى المقدسة في فلسطين وإلى أديرة مصر وكنائسها مشيا علي الأقدام جزءا من عبادة الرهبان ونسكهم، يحتملون في سبيله متاعب ومصاعب ومخاطر جمة . وكانت العادة ان يتوجه الحجاج الأثيوبيين في قوافل عقب الإحتفال بعيد الغيطاس فيعبرون الصحراء غربا الي النوبة في وادى النيل حيث يزورون أديرتها وكنائسها ثم يتوقفون طويلا في جبل قسقام حيت الدير المحرق الذى يعتبر عندهم أقدس المزارات فى مصر وكان لهم فيه كنيسه باسم كنيسة تكلا هيمانوت الحبشى . حيث كان الحجاج يقضون فترة راحتهم فى الدير المحرق وبالقرب منه وتستمر رحلتهم مرورا بحصن بابليون وكنائس مصر القديمة ثم المطرية حيث بئر مريم واشتهرت كنيسة مارجرجس بحارة زويلة كمحطة أخرى لراحتهم. ومع تزايد مخاطر الطريق أوقفت القوافل.
وهناك العديد من الرهبان الاثيوبيين الذين استقروا في أديرة مصر وكان أشهرهم الأب عبد المسيح الحبشى وتكلا هيمانوب الحبشى .
كانت نقطة التحول في العلاقات والمطالبة بالاستقلال عام 1926 عقب وفاة الانبا متاؤس مطران أثيوبيا القبطي الذي استمر قرابه ال40 عاما فى الخدمة واجتمعت بين أيدية سلطة لم تجتمع لغيره من المطارنة الأقباط , وكانت له مكانة كبيرة في أثيوبيا وبدأت مفاوضات استقلال الكنيسة الاثيوبية عن الكنيسة القبطية بداية من سنة 1941 حتى سنة 1959 م حين قام البابا كيرلس السادس برسامة أول مطران أثيوبي لكرسى أثيوبيا وهو الأنبا باسليوس .
وقطع التواصل بين الكنيستين قيام الحكم الشيوعي عام 1974 بعد الانقلاب العسكري بقيادة منجستو ضد الامبراطور هايل سلاسي الأول الذى تم إعدامه كما تم القاء القبض على المطران الانبا ثاوفيليس حين عجز النظام الجديد عن احتواءه وضمان ولاءه وانتهى الأمر بإعدامه في عام 1979.
وتعرضت الكنيسة في أثيوبيا الي هجوم شرس من الشيوعية حتى انتهى الامر بسقوطها عام1991 وبعد سقوط النظام تم انتخاب أسقف أثيوبى جديد للكنيسة وهو الأنبا بولوس.
ثم بدأت الاتصالات لاستعادة العلاقات بين الكنيستين, و في عام 1993 زار مصر وفد أثيوبي لهذا الغرض, وتم بالفعل عقد برتوكول ينظم العلاقة بين الكنيستين عام 1994.
الا أن العلاقات توترت بين الكنيستين عقب سيامة خمسه أساقفه اريتريين فى عام 1994 مما أدى إلى توتر العلاقة بين الكنيستين بسبب حساسية العلاقة بين أثيوبيا واريتريا بسبب الحرب التى دارت بينهما وانفصال اريتريا عن أثيوبيا ورغبة أثيوبيا في أن تظل الكنيسة الاريترية تابعة لها. ومؤخرا ( أبريل 2004 ) زار قداسة البابا شنودة الثالث اريتريا لتنصيب بطريرك جديد لها ليكون أول بطريرك لها بعد الاستقلال, وهو ما جعل العلاقات تتوتر بين الكنيستين القبطية والأثيوبية.
يقول الأنبا موسي أسقف الشباب للأقباط الارثوذكس " بعد استقلال اريتريا سياسيا, لم يكن بيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن تمنعها من أن يكون لها كنيسة مستقلة "
و قد دارت الحرب بين اريتريا و اثيوبيا بين عامي 1998 و 2000 مما أوجد حساسية في علاقة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأي منهم. وحول دير السلطان يقول نيافة النيا موسى " دير السلطان هو دير أثري قديم ملاصق لكنيسة القيامة بالقدس, كان السلطان صلاح الدين الايوبي قد أهداه للاقباط بسب مساهمتهم مع إخوتهم المسلمين في تحرير الآراضي المقدسة من الفرنجة. وهذا الشىء ثابت تاريخيا, إلا أن يعض الرهبان الأحباش انتهزوا فرصة عدوان 1967 و قاموا بالاستلاء علي الدير بمساعدة اسرائيل, ورغم أننا حصلنا علي حكم من المحكمة الاسرائيلية باحقيتنا في ملكية الدير إلا ان اسرائيل قالت أن هذا أمر سيادي لا علاقة لها به, و حتي الآن يستولون على الدير بتشجيع من اسرائيل"
و يضيف الانبا موسى "هناك محاولات مستمرة لاستعادة الدير ساهم فيها السيد عمرو موسي و السيد أحمد ماهر، و لكن ما تعودنا من اليهود أن يحترموا أي حقوق مشروعة، لا مع الفلسطنيين و لا معنا. و هم لا يحبون قداسة البابا شنودة لمواقفه الوطنية, و منعه الأقباط من دخول الآراضي المقدسة في فلسطيين إلا بعد تحريرها ليدخلوها مع اخوتهم المسلمين "
قال الدكتور أنطون يعقوب: "تتميز العلاقات بين مصر واثيوبيا واريتريا بانها علاقات استراتيجية . وفي ظل الهواجس القائمه لدينا والتساولات " ماذا يفعل الاثيوبين بالنيل ؟ " لا يمكن ان تقل هذه الهواجس إلا باقامة علاقات قائمة علي الأخذ والعطاء ولقد خاطبت البطريرك الاثيوبى أبونا بولوس وقالت له " لماذا لا يتم تنمية علاقات شعبية بين البلدين خاصة انكم تحتاجون الى بعض الخبرات المصرية في عدد من المجالات وطلبت منه ان يستغل ان ينسق في هذا الامر مع الارثوذكسية في مصر"
وأضاف: "هناك حاجة متبادلة بين بلاد حوض النيل لتبادل الخبرات و المصالح، و هم يتطلعون لدور مصري أكثر عمقا فهناك سوابق وتاريخ للعلاقات التجارية, و اؤكد لك إنه اذا ما تم تنسيق و تعميق التعاون مع اثيوبيا فسوف تكون النتائج مذهلة فالشعب الأثيوبي يقدر مصر نظرا للعلاقات التاريخية القوية"
وتابع "الكنيسة لها نشاط في أفريقيا جنوب الصحراء و لكن دورها مع الأزهر هام في المساهمة في أن تأخذ مصر موقعا متميزا في قارة افريقيا لما يمثلونه من قيادة روحية هامة لهذا الشعوب"
وأضاف: الشعب الاثيوبي و الاريتري يتطلع الى الكنيسة القبطية الارثوذكسية, و منذ استقلال الكنيسة الإثيوبية في عام 1959 و سيامة أول اسقفة لهم, لازال الشعب الاثيوبي يحن للمطران القبطي, و هناك تراث ستة عشر قرنا ليس من السهل نسيانه, و غياب الكنيسة عن اثيوبيا بهذا الشكل سوف يجعل الهوة تتسع بمرور الزمن.
واتطلع ان تستعين الدولة في مصر بهذا الدور لتدعيم العلاقة بين الشعبين المصري و الاثيوبي لتبادل المصالح
هم يحاولون استعادة العلاقات وقد أعرب لى الانبا بولوس عن رغبته في زبارة القاهرة اذ ما دعى من قبل البابا شنودة.
وحول السبب الذي يحول دون استعادة التقارب بين الكنيستين قال الدكتور أنطون يعقوب: "بعد الازمة التى حدثت بسبب كنيسة اريتريا حدثت بعض الخلافات الشخصية بين القياديتن لو تم التغلب عليها أشياء كثيرة ستتغير، واحاول دائما أن أنبه الى أهمية العلاقات المصرية الاثيوبيه باعتبارها مصلحة وطنية قومية لذا أود أن انظر الى الأمر بافق أواسع تغلب المصلحة الوطنية على الاختلافات الدينية"
وتابع "الكنيسة مطالبة ان تقوم بهذا الدور ومطالبة ان تطرح الحساسيات الشخصية جانبا. الشعب الاثيوبى المسلم والمسيحى ينظرون لمصر باعتبارها القيادة، مصدر الالهام الروحى سواء من خلال الازهر الشريف او الكنيسة القبطية الارثوذكسية، والكنيسة القبطية لها رصيد شعبي كبير جدا في وجدان الاثيوبيين وليس بسهولة ان ينسونه. ومنذ استقلال القيادة الدينية الاثيوبية فى عام 1959 يحاول البطريرك والمطارنة الاثيوبيين ان يكونا لهما دوراً لا يقل عن المطران القبطى واؤكد لك انهم برغم كل كل هذه السنين لم يستطيع المطارنة الاثيوبيين شغل المكان والمكانة التى كان يشغلها المطران القبطى لدى الشعب الاثيوبى لذلك فعدم وجود تواصل بين الكنيسة القبطية والاثيوبية يخلق فراغاً وتباعد فى العلاقات التاريخية "
وحول المخاوف بسبب مياه النيل قال: "عشت فى اثيوبيا منذ الاربعينيات وكان هناك من قبل جالية قبطية ولم نشعر مطلقاً ان هناك نية غدر، واذا كان هناك تصريح هنا أو مقال هناك فى الجرائد الاثيوبية بين الحين والاخر فهى لا تعبر عن الاتجاه العام هناك ."
وأضاف: "أزمة اثيوبيا هى مشكلة الجفاف بسبب عدم انتظام سقوط الامطار فهناك سنوات يحدث فيها جفاف مما يؤثر على الزراعات، فهم يعتمدون على الزرعة بالمطر، وهم يفكرون ان الحل لهذه المشكلة يكمن فى إقامة زراعات تعتمد على الرى المنتظم وهذا يحتاج الى خبرات تتوافر لدينا فى مصر و نستطيع ان نكتشف معهم المناطق الصالحة للزاعة ولن يوثر هذا على مصالحنا ويجب ان نتفهم ان استقرار مثل هذه المناطق وهو فى النهاية لصاحنا فهم لديهم اراضى شاسعة صالحة للزراعة"
يقول د. أنطون يعقوب، أحد الذين عملوا و عاشوا في اثيوبيا بداية من عام 1944م , و شغل منصب مدير كلية سلاسي للاهوت فيها في الفترة من 1997 و حتى 2000م: " الكنيسة الاثيوبية ما هى إلا كنيسة قبطية مزروعة في أثيوبيا فخلال عمر الكنيسة الاثيوبية خلال ستة عشر قرنا، منذ دخول المسيحية لها على يد المصري فرمنتيوس, و هي تستمد طقوسها و تقاليدها و أعيادها من الكنيسة المصرية, حتى ان التقويم الأثيوبي نفسه هو هو التقويم القبطى, و الاحتفال الرسمي الكبير برأس السنة في اثيوبيا هو إحتفال برأس السنة القبطية"
ومنذ تأسيس ايبارشية أكسوم صار التقليد في أثيوبيا ان يشغل رئيس كنيستهم مطران قبطي يحصل علي الجنسية الاثيوبية بمجرد وصوله, ويظل بها لا يرحل حتي نياحته.
وكان في كثير من الأحيان الذى يختار المطران الجديد هم الاثيوبيين أنفسهم الذى استقر عدد منهم في الأديرة المصرية. وما أن يصل المطران الجديد إلا وتقام الاحتفالات الشعبية ويستقبله الامبراطور.
و ما أن يتنيح المطران حتي يسارع الأباطرة الاثيوبيين بإرسال الرسائل والبعثات والهدايا الى بابا مصر طلبا لاختيار مطران جديد, لأنه كان بالنسبة لهم مصدر الإلهام و البركة. ولقد تعاقب على رئاسة الكنيسة الاثيوبية مئة وأحد عشر مطرانا قبطيا. وكانت رسامتهم فى الاسكندرية / القاهرة حدثا فريدا في الكنيسة يتم فى احتفالات كبيرة و فى جو من الفرح العام . وكان استقبالهم فى وطنهم الجديد لايقل روعة, يبدأ رسميا وشعبيا من وقت وصولهم البلاد حتي يصلوا الى مشارف العاصمة فى موكب ضخم من البشر ليجدوا الأمبرطور وأسرتة وحرسه ورجال الدولة في استقبالهم، وكان المطران القبطى يحظى بتبجيل فائق من جميع أفراد الشعب باعتباره راعيهم ومعلمهم الأول ورئيس الكنيسة، وكان يعتبر الرجل الثاني بعد الأمبراطور وهو الرئيس الأعلى والفعلي للكنيسة وله مطلق الحرية للعمل دون الرجوع الي البابا وقد أضيفت إلى مهام المطران القبطي رسميا آواخر القرن الثالث عشر تتويج الملوك وإضفاء الشرعية عليهم . بل كان له الحق في عزل الأباطرة اذا رأي أنهم خرجوا عن العقيدة.
وقد اضفى هذا أهمية و نفوذ كبير للمطران القبطي مما جعله ضرورة من ضرورات الحكم ومصدرا من مصادر استقرار البلاد .
وكان الولاء الأثيوبي لكرسى الاسكندرية ومطرانهم القبطي مثار لدهشة الكنائس الاخرى و كتب عنه الغربيون باعتباره لغزا يحتاج الى تفسير، فحتى فى ظل الحرب المصرية الاثيوبية فى عهد اسماعيل باشا لم يتاثر ولاء الكنيسة الأثيوبية للمطران القبطي.
وخلال هذه الحقبة التاريخية الطويلة نقلت الكنيسة القبطية تراثها الى أثيوبيا وجعلت منها كنبسة قبطية مازال يشار اليها بهذا الاسم حتي الآن فى الاوساط الأجنبية.
وخلال حقبة الأربعينات سافر الى أثيوبيا عدد من الاقباط الذين عملوا بها سنوات عدة في مجالات الزراعة والمحاسبة وبعض الوزارت والطب والهندسة، وفي شركة الطيران الوطنية.
وكان الحج الي الآراضى المقدسة في فلسطين وإلى أديرة مصر وكنائسها مشيا علي الأقدام جزءا من عبادة الرهبان ونسكهم، يحتملون في سبيله متاعب ومصاعب ومخاطر جمة . وكانت العادة ان يتوجه الحجاج الأثيوبيين في قوافل عقب الإحتفال بعيد الغيطاس فيعبرون الصحراء غربا الي النوبة في وادى النيل حيث يزورون أديرتها وكنائسها ثم يتوقفون طويلا في جبل قسقام حيت الدير المحرق الذى يعتبر عندهم أقدس المزارات فى مصر وكان لهم فيه كنيسه باسم كنيسة تكلا هيمانوت الحبشى . حيث كان الحجاج يقضون فترة راحتهم فى الدير المحرق وبالقرب منه وتستمر رحلتهم مرورا بحصن بابليون وكنائس مصر القديمة ثم المطرية حيث بئر مريم واشتهرت كنيسة مارجرجس بحارة زويلة كمحطة أخرى لراحتهم. ومع تزايد مخاطر الطريق أوقفت القوافل.
وهناك العديد من الرهبان الاثيوبيين الذين استقروا في أديرة مصر وكان أشهرهم الأب عبد المسيح الحبشى وتكلا هيمانوب الحبشى .
كانت نقطة التحول في العلاقات والمطالبة بالاستقلال عام 1926 عقب وفاة الانبا متاؤس مطران أثيوبيا القبطي الذي استمر قرابه ال40 عاما فى الخدمة واجتمعت بين أيدية سلطة لم تجتمع لغيره من المطارنة الأقباط , وكانت له مكانة كبيرة في أثيوبيا وبدأت مفاوضات استقلال الكنيسة الاثيوبية عن الكنيسة القبطية بداية من سنة 1941 حتى سنة 1959 م حين قام البابا كيرلس السادس برسامة أول مطران أثيوبي لكرسى أثيوبيا وهو الأنبا باسليوس .
وقطع التواصل بين الكنيستين قيام الحكم الشيوعي عام 1974 بعد الانقلاب العسكري بقيادة منجستو ضد الامبراطور هايل سلاسي الأول الذى تم إعدامه كما تم القاء القبض على المطران الانبا ثاوفيليس حين عجز النظام الجديد عن احتواءه وضمان ولاءه وانتهى الأمر بإعدامه في عام 1979.
وتعرضت الكنيسة في أثيوبيا الي هجوم شرس من الشيوعية حتى انتهى الامر بسقوطها عام1991 وبعد سقوط النظام تم انتخاب أسقف أثيوبى جديد للكنيسة وهو الأنبا بولوس.
ثم بدأت الاتصالات لاستعادة العلاقات بين الكنيستين, و في عام 1993 زار مصر وفد أثيوبي لهذا الغرض, وتم بالفعل عقد برتوكول ينظم العلاقة بين الكنيستين عام 1994.
الا أن العلاقات توترت بين الكنيستين عقب سيامة خمسه أساقفه اريتريين فى عام 1994 مما أدى إلى توتر العلاقة بين الكنيستين بسبب حساسية العلاقة بين أثيوبيا واريتريا بسبب الحرب التى دارت بينهما وانفصال اريتريا عن أثيوبيا ورغبة أثيوبيا في أن تظل الكنيسة الاريترية تابعة لها. ومؤخرا ( أبريل 2004 ) زار قداسة البابا شنودة الثالث اريتريا لتنصيب بطريرك جديد لها ليكون أول بطريرك لها بعد الاستقلال, وهو ما جعل العلاقات تتوتر بين الكنيستين القبطية والأثيوبية.
يقول الأنبا موسي أسقف الشباب للأقباط الارثوذكس " بعد استقلال اريتريا سياسيا, لم يكن بيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن تمنعها من أن يكون لها كنيسة مستقلة "
و قد دارت الحرب بين اريتريا و اثيوبيا بين عامي 1998 و 2000 مما أوجد حساسية في علاقة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأي منهم. وحول دير السلطان يقول نيافة النيا موسى " دير السلطان هو دير أثري قديم ملاصق لكنيسة القيامة بالقدس, كان السلطان صلاح الدين الايوبي قد أهداه للاقباط بسب مساهمتهم مع إخوتهم المسلمين في تحرير الآراضي المقدسة من الفرنجة. وهذا الشىء ثابت تاريخيا, إلا أن يعض الرهبان الأحباش انتهزوا فرصة عدوان 1967 و قاموا بالاستلاء علي الدير بمساعدة اسرائيل, ورغم أننا حصلنا علي حكم من المحكمة الاسرائيلية باحقيتنا في ملكية الدير إلا ان اسرائيل قالت أن هذا أمر سيادي لا علاقة لها به, و حتي الآن يستولون على الدير بتشجيع من اسرائيل"
و يضيف الانبا موسى "هناك محاولات مستمرة لاستعادة الدير ساهم فيها السيد عمرو موسي و السيد أحمد ماهر، و لكن ما تعودنا من اليهود أن يحترموا أي حقوق مشروعة، لا مع الفلسطنيين و لا معنا. و هم لا يحبون قداسة البابا شنودة لمواقفه الوطنية, و منعه الأقباط من دخول الآراضي المقدسة في فلسطيين إلا بعد تحريرها ليدخلوها مع اخوتهم المسلمين "
قال الدكتور أنطون يعقوب: "تتميز العلاقات بين مصر واثيوبيا واريتريا بانها علاقات استراتيجية . وفي ظل الهواجس القائمه لدينا والتساولات " ماذا يفعل الاثيوبين بالنيل ؟ " لا يمكن ان تقل هذه الهواجس إلا باقامة علاقات قائمة علي الأخذ والعطاء ولقد خاطبت البطريرك الاثيوبى أبونا بولوس وقالت له " لماذا لا يتم تنمية علاقات شعبية بين البلدين خاصة انكم تحتاجون الى بعض الخبرات المصرية في عدد من المجالات وطلبت منه ان يستغل ان ينسق في هذا الامر مع الارثوذكسية في مصر"
وأضاف: "هناك حاجة متبادلة بين بلاد حوض النيل لتبادل الخبرات و المصالح، و هم يتطلعون لدور مصري أكثر عمقا فهناك سوابق وتاريخ للعلاقات التجارية, و اؤكد لك إنه اذا ما تم تنسيق و تعميق التعاون مع اثيوبيا فسوف تكون النتائج مذهلة فالشعب الأثيوبي يقدر مصر نظرا للعلاقات التاريخية القوية"
وتابع "الكنيسة لها نشاط في أفريقيا جنوب الصحراء و لكن دورها مع الأزهر هام في المساهمة في أن تأخذ مصر موقعا متميزا في قارة افريقيا لما يمثلونه من قيادة روحية هامة لهذا الشعوب"
وأضاف: الشعب الاثيوبي و الاريتري يتطلع الى الكنيسة القبطية الارثوذكسية, و منذ استقلال الكنيسة الإثيوبية في عام 1959 و سيامة أول اسقفة لهم, لازال الشعب الاثيوبي يحن للمطران القبطي, و هناك تراث ستة عشر قرنا ليس من السهل نسيانه, و غياب الكنيسة عن اثيوبيا بهذا الشكل سوف يجعل الهوة تتسع بمرور الزمن.
واتطلع ان تستعين الدولة في مصر بهذا الدور لتدعيم العلاقة بين الشعبين المصري و الاثيوبي لتبادل المصالح
هم يحاولون استعادة العلاقات وقد أعرب لى الانبا بولوس عن رغبته في زبارة القاهرة اذ ما دعى من قبل البابا شنودة.
وحول السبب الذي يحول دون استعادة التقارب بين الكنيستين قال الدكتور أنطون يعقوب: "بعد الازمة التى حدثت بسبب كنيسة اريتريا حدثت بعض الخلافات الشخصية بين القياديتن لو تم التغلب عليها أشياء كثيرة ستتغير، واحاول دائما أن أنبه الى أهمية العلاقات المصرية الاثيوبيه باعتبارها مصلحة وطنية قومية لذا أود أن انظر الى الأمر بافق أواسع تغلب المصلحة الوطنية على الاختلافات الدينية"
وتابع "الكنيسة مطالبة ان تقوم بهذا الدور ومطالبة ان تطرح الحساسيات الشخصية جانبا. الشعب الاثيوبى المسلم والمسيحى ينظرون لمصر باعتبارها القيادة، مصدر الالهام الروحى سواء من خلال الازهر الشريف او الكنيسة القبطية الارثوذكسية، والكنيسة القبطية لها رصيد شعبي كبير جدا في وجدان الاثيوبيين وليس بسهولة ان ينسونه. ومنذ استقلال القيادة الدينية الاثيوبية فى عام 1959 يحاول البطريرك والمطارنة الاثيوبيين ان يكونا لهما دوراً لا يقل عن المطران القبطى واؤكد لك انهم برغم كل كل هذه السنين لم يستطيع المطارنة الاثيوبيين شغل المكان والمكانة التى كان يشغلها المطران القبطى لدى الشعب الاثيوبى لذلك فعدم وجود تواصل بين الكنيسة القبطية والاثيوبية يخلق فراغاً وتباعد فى العلاقات التاريخية "
وحول المخاوف بسبب مياه النيل قال: "عشت فى اثيوبيا منذ الاربعينيات وكان هناك من قبل جالية قبطية ولم نشعر مطلقاً ان هناك نية غدر، واذا كان هناك تصريح هنا أو مقال هناك فى الجرائد الاثيوبية بين الحين والاخر فهى لا تعبر عن الاتجاه العام هناك ."
وأضاف: "أزمة اثيوبيا هى مشكلة الجفاف بسبب عدم انتظام سقوط الامطار فهناك سنوات يحدث فيها جفاف مما يؤثر على الزراعات، فهم يعتمدون على الزرعة بالمطر، وهم يفكرون ان الحل لهذه المشكلة يكمن فى إقامة زراعات تعتمد على الرى المنتظم وهذا يحتاج الى خبرات تتوافر لدينا فى مصر و نستطيع ان نكتشف معهم المناطق الصالحة للزاعة ولن يوثر هذا على مصالحنا ويجب ان نتفهم ان استقرار مثل هذه المناطق وهو فى النهاية لصاحنا فهم لديهم اراضى شاسعة صالحة للزراعة"