يقال (فـَـلٌّ)، وتعني الثــَّلــْم فى السيف، والأصح أنه الثـَّـلـْمُ فى أى شىء كان، وسيفٌ أفـَلُّ، أى ذو فلول، أى فقد حدته، وصار يحتاج للصقل. وهم قوم فَلٌّ: منهزمون، والجمع فلول. استخدمت كلمة "فلول" عقب الثورة المصرية لتشير إلى حلفاء النظام السابق والمستفيدين منه، وتترجم إلى الإنجليزية ترجمة غير دقيقة بكلمة "بقايا" فهل فقد رجال النظام السابق قوتهم، وأصبحوا كالسيف الأفل؟ التعريف الخاطئ لكلمة فلول هو ما قاد إلى حالة الشلل والصراع التي تعتري الثورة المصرية الآن. يشعر المصريين أن قبول تولي الجيش إدارة المرحلة الانتقالية كان خطأ تاريخيا، وأن الجيش ما إلا جزء من النظام السابق، أو "فلول" بالتعريف الشائع للكلمة، لكنه لم يفل أو ينهزم بعد، فمع إقتراب الذكرى السنوية الأولى لثورة يناير يجد المصريين أنفسهم محكومون بنفس قواعد النظام الذي ظنوا أنهم أسقطوه بتنحي الرئيس السابق، ورويدا رويدا تعود الوجوه والممارسات القديمة ليجد الثوار أنفسهم هم "الفلول" بالتعريف الدقيق للكلمة، وأن الثورة قد فلت وأصابها الثلم. جاءت الانتفاضة الشعبية على حكم مبارك على هوى الجيش الذي رأي في ذلك فرصة للتخلص من مشروع التوريث الذي كان يزعجه. وبالرغم أن المؤسسة العسكرية، التي هي النواة الصلبة لنظام مبارك، سايرت الثوار في بداية الأمر ووعدت بتسليم السلطة للمدنيين، لكن ممارستها في الشهور التالية للثورة صبت في صالح محاولة إعادة السيطرة وتمرير سيناريو يحافظ على توازونات النظام القديم والمستفيدين منه. واستخدم تعمد غياب الأمن والحالة الإقتصادية الصعبة في الضغط على المواطن العادي والإيحاء بأن الثورة هي المسئولة عن ذلك. وخلال الشهور الثلاثة الأخيرة انكشف عداء المؤسسة العسكرية بشكل واضح للثورة والثوار حيث عادت الاتهامات لميدان التحرير كما كانت خلال أيام الثورة الأولى بأنه لا يمثل مصر، مع توجيه الاتهامات للنشطاء بأنهم مدفعون من جهات خارجية لتخريب البلاد. عقب الثورة اقتصر تحديد الفلول الذي يجب مطاردتهم بالأشخاص الذين كانوا مرتبطين بالرئيس السابق، وخاصة هؤلاء الذين كانوا متورطين في مشروع التوريث، وأعضاء الحزب الوطني. حاول المجلس العسكري إيهام الثوار بأن النظام قد سقط بتقديم رموز جناح التوريث في النظام للمحاكمة، لكنه في الوقت ذاته قام بتمكين شخصيات من نظام ما قبل مشروع التوريث. ومع قرب مرور عام على الثورة يتكشف أن النظام الذي نادت الثورة باسقاطه هو أوسع ممن أطلق عليهم كلمة فلول، فما هو هذا النظام؟ عقب انقلاب الجيش على الدولة المدنية في يوليو 1952، قام بتصفية الوكلاء الإجتماعيين، الذين فرزوا بشكل طبيعي عقب ثورة 1919 التي قادها التيار الليبرالي، وحيث أنه لم تكن هناك وسائل ديمقراطية لتمثيل المجتمع و لتقسيم النفوذ والثروة، اعتمد حكام يوليو على بناء شبكة علاقات جديدة تدين بالولاء لهم، وفي نفس الوقت تقوم بدور الوكلاء الإجتماعيين. خلال ثلاثين عاما من سيطرة الرئيس السابق حسني مبارك على مقاليد الحكم في مصر استمر في بناء شبكة من العلاقات على النمط الذي تم إرسائه خلال الحقبة الناصرية والسادتية. وكان نظام الولاء يصنع لحساب سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم. خلال العقد الأخير من حكم مبارك طرأ متغيرا جديدا على نظام صناعة الولاء، فقد قرر مبارك نفسه الإنقلاب على النظام الذي أرساه العسكر منذ يوليو، وذلك بتصعيد ابنه لتولي الحكم من بعده. أثار تصعيد مستفيدين جدد يدينون بالولاء للوريث سخط مؤسسات النظام القديمة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. حدث نوع من الصراع المكتوم على السلطة بين مؤسسات النظام القديمة وبين مؤسسات التوريث التي كانت تقوم بانقلاب منظم على النظام. لم يكن الوريث المدني مقنع، وخاصة للمؤسسة العسكرية، كما أن مشاركة الوافدين الجدد، وأغلبهم رجال أعمال، في كعكة المصالح، وفجاجة إدارتهم للبلاد، كما تجلى في نموذج أمين التنظيم في الحزب الوطني أحمد عز، جعل حالة السخط تنمو في أوساط المستفيدين القدامى من النظام. لعبت الأجهزة الأمنية الدور الرئيسي في صناعة ولاءات الوكلاء الإجتماعيين، واتبع أسلوبين في صناعة الوكلاء الإجتماعيين: الأول استقطاب الوكلاء الإجتماعيين الحقيقيين، وهم من يملكون نفوذ مالي أو عائلي أو موهبة تمكنهم من التأثير، واستخدامهم للسيطرة على الجمهور الذين يؤثرون فيه. وفي سبيل شراء الولاء كان النظام السابق يقدم لهؤلاء مصالح وفوائد وتنازلات لضمان استمرار ولائهم، ولضمان استمرار نفوذهم على من يمثلونهم، وأمثلة ذلك، رؤساء الطوائف الدينية، رؤساء العائلات الكبيرة، رجال الأعمال، المشاهير من الفنانين ولاعبي الكورة... ألخ. كان هؤلاء مستفدون من النظام، وشعروا بتهديد عقب الثورة، بعضهم حاول التأقلم مع الثورة والتلون بلونها، وغالبيتهم عملوا لإجهاض الثورة، كما حاولوا خلال أيام الثورة الأولى وفشلوا. كما فشلوا في أواخر عصر مبارك في القيام بالدور المرسوم لهم، فالمهة كانت صعبة لأن اللعبة كانت قذرة والوجهة غير مقنعة، علاوة على أن الفساد الناتج عن حكم مبارك، وتكلفة فساد صناعة الولاءات لمشروع التوريث، جعل الغضب الإجتماعي أقوى من السيطرة، وهو ما أدي إلى تفكك التوازنات. أما النمط الثاني فهو القيام بعملية صناعة واختراق منظمة للنخبة السياسية والمجتمع المدني بهدف سهولة السيطرة عليها. هذه النخبة، هي التي ركبت مطالب الثورة وادعت تمثيلها، ولأن معظمهم من هواة العمل السياسي فلم تستطيع صياغة كيان سياسي قوي، ولم تستطيع ملء فراغ المنتمين للنظام السابق أو الفلول، وعادوا تدريجيا لدور المعارضة الذي اعتادوا ممارسته. لقد فل مبارك في أواخر سنوات حكمه بسبب تقدمه في السن، كما كان ابنه فل لا يقنع أحد بقدرته على القيادة، لكن لم يفل بعد "الفلول" ولازالوا يقاومون التغيير وهم يملكون القوة الصلبة، إضافة إلى دعم إقليمي من دول ترى التغيير الديمقراطي في مصر خطرا يهددها، لكن الإصرار والشجاعة التي أظهر شباب التحرير في المواجهات الأخيرة قد تعيد الأمور إلى نصابها.
No comments:
Post a Comment