مجدي سمعان:
تقدير الموقف قبل جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية كان يشير إلى احتمال
حدوث انتفاضة جديدة في حالة فوز الفريق أحمد شفيق بالرئاسة. وفي ظل وصول البلاد
إلى شفا انهيار اقتصادي واحتمال عجز الدولة عن الوفاء بفاتورة الدعم، كان الخوف من
أن الانتفاضة الجديدة ستتجه هذه المرة إلى المطالبة بمحاكمة قادة المجلس العسكري،
وقد تنحى إلى اتباع نهج مسلح في التغيير على النمط الليبي والسوري.
وبالرغم من أن الشئون المعنوية للقوات المسلحة قد بذلت جهدا كبيرا خلال
العام ونصف الماضية في شحن الضباط والجنود ضد "الثوريين الفوضويين"
الذين تحركهم أجندات خارجية، إلا أن هذه التبريرات قد تكون مقنعة للتصدى لاحتجاجات
محدودة، أما في حالة خروج احتجاجات واسعة واتجاهها للاصطدام بالجيش، فهناك احتمال
قوى أن يحدث انشقاق في الجيش في غضون أيام قليلة قد لا تتجاوز الثمانية عشر يوما
التي قضاها مبارك حتى انقلبت القيادة الأدنى عليه.
ظن قيادات المجلس العسكري أن نجاح مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد
مرسي سيكون بمثابة طوق نجاة لهم، لسببين رئيسين:
الأول، إنه سيتم استخدام وصول
الإخوان للسلطة لإقناع الشعب بأن الثورة قد انتصرت، مثلما تم إقناع الناس سابقا
بأن الثورة قد انتصرت حين تم تنحية مبارك. وقد يكون التصعيد المفاجئ الذي سبق الانتخابات الرئاسية من قبل الإخوان ضد المجلس العسكري يأتي في إطار رغبة الجماعة الظهور
بالمظهر الثوري كنوع من التغطية على هذه الصفقة، بعد أن وضعتهم المواقف المنحازة
لقرارات المجلس العسكري في مركب واحد معا. وبالتالي سيحققون للمجلس العسكري أهدافه
في البقاء في السلطة وفي نفس الوقت ضمان عدم المحاكمة مستقبلا، علاوة على الحفاظ
على مصالح المؤسسة العسكرية.
السبب الثاني، ففي حالة عجز الدولة على الوفاء بفاتورة الدعم، وفي حالة
خروج احتجاجات واسعة، يتنبأ البعض بأنها ستكون "ثورة جياع" سيتحمل
الإخوان وقتها مسئولية الفشل، وسيكون عليهم مواجهة الغضب الجماهيري، بينما سيقف
الجيش باعتباره عنصر محايد يعمل على الحفاظ على أمن البلاد في وقت الفوضى المتوقعة.
ويسعي الإخوان للخروج من هذا المأزق بتعين رئيس وزراء غير محسوب على الإخوان
لتقاسم الفشل في حال حدوثه.
ويأمل المجلس العسكري في الإستمرار في التحكم في المشهد السياسي من خلف
الستار، سواء من خلال الإعلان الدستوري المكمل الذي قلص من صلاحيات الرئيس، ومنح حق
التشريع لنفسه حتى انتخاب برلمان جديد لا نعلم موعد انتخابه بعد، أو من خلال القوانين التي أصدرها نواب الإخوان لتحصين العسكريين مثل قانون القضاء العسكري.
لكن ما لا يدركه قيادات المجلس العسكري هو أن جماعة الإخوان المسلمين أقوى
من قياداتها، وأن الأهداف التي يتربى عليها أعضاء الجماعة منذ نعومة أظافرهم
المتمثلة في بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة، وصولا إلى المجتمع المسلم، ثم الحكومة، فالدولة فاستاذية العالم وفقاً
للأسس الحضارية للإسلام هي أقوى من قيادات الجماعة المخترقة من قبل الأجهزة
الأمنية.
في سبيل تحقيق هذه الأهداف فقد كان أعضاء الإخوان يتعلمون الفرق بين مرحلة
الاستضعاف، التي كانت تبرر قبول تكتيكات قيادات الجماعة التي كانت تعتبر ها القوى السياسية في كثير من الأحيان خيانة. ومرحلة التمكين التي لن يقبل خلالها أعضاء التنظيم إلا أن
يكونوا "الأعلون" وأن يبدأوا في تطبيق أدبيات مرحلة التمكين. والمتابع
لأعضاء الإخوان الذين يظهرون في الإعلام يلحظ هذه النبرة التي فيها ثقة مرحلة
التمكين! وعليه فأدبيات مرحلة الاستضعاف قد مضى وقتها، والعودة إليها غير مقبول
بالنسبة لقواعد الجماعة.
والسؤال الآن، ليس، هل ينقلب الإخوان على المجلس العسكري؟ وإنما، متى ينقلب
الإخوان على المجلس العسكري؟ فالعقليات الشمولية لا يمكن أن تقود سفينة رأس برأس!
فمهما كانت العلاقة بينهما، فلابد من أن يتجه أحدهما للانفراد بالقرار، لتطبيق وجهة
نظره في الحكم، الذي يعتقد أنه "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه".
هذا درس تاريخي على مر تاريخ الشموليات في العالم، ولدينا هنا في مصر، فقد
اشتركا العسكر والإخوان في انقلاب يوليو 1952، ثم انقلب العسكر على الإخوان عام
1954، ونفس الشيء حدث عندما تولى السادات الحكم عندما انقلب على رجال ناصر
الأقوياء الذين كانوا يشاركونه الحكم. العقلية الجمعية للإخوان تتذكر جيدا انقلاب 1954، وهم أيضا حريصون على عدم تكراره.
قد يكون انقلاب مرسي على المجلس العسكري صعبا خلال السنة الأولى من حكمه،
لكن ما أن تستتب الأمور في يده، حتى يسعي إلى هذا الإنقلاب، الذي قد يأخذ شكل
ناعم، أو يأخذ شكل صدامي، مستغلا الإختراق الإخواني لبعض قيادات الجيش من خلايا
نائمة ستسعي إلى أن تحتل مواقع القيادة، وستقدم خدماتها لمكتب الإرشاد.
سيكسب الإخوان من وراء الإنقلاب على المجلس العسكري شرعية شعبية تعينهم على
شراء الوقت لاستتباب الأمور في يدهم، وسيرحب الشعب بالتخلص من المجلس العسكري الذي
تلاعب بـ"الثورة"
وبالطبع فإن المجلس العسكري يدرك هذه الإحتمالية وسيعمل على الحيلولة دون
حدوثها، وقد يكون ذلك من خلال العمل على عدم استتباب الأمور في يد مرسي، والعمل
على ادخال الجماعة في صراع مع القوى المدنية سواء في مرحلة صياغة الدستور أو في
الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقد يرشح خوف الجيش من سيناريو الانقلاب دعم القوى
المدنية للفوز بأغلبية البرلمان المقبل.
No comments:
Post a Comment