مجدي سمعان
يوم الأحد الماضي ذهبت لتغطية جولة المرشح الرئاسي لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي في مدينة المنصورة، شمال شرق القاهرة. بالرغم من أن الجولة كانت بمثابة استعراض قوة للإمكانيات التنظيمية الكبيرة، إلا أن العقبات التي تواجهها الجماعة، وهي تراهن للمرة الأولى في تاريخها على مقعد الحكم في مصر، وتستخدم رصيدها وخبراتها التي بنتها طوال السنين، قد تكون أكبر من إمكانياتها التنظيمية.
الدفع بمرسي لخوض السباق الرئاسي جاء بعد استبعاد الجنة العليا للانتخابات الرئاسية مرشح الجماعة الأساسي خيرت الشاطر الأسبوع الماضي ضمن 10 مرشحين آخرين استبعدوا لأسباب قانونية. لكن بالرغم من أن مرسي لم يكن قد مضى علي إعتماده أكثر من أسبوع إلا أن الجماعة تمكنت خلال هذه الأيام القصيرة من تجهيز الدعاية الانتخابية بشكل مكثف.
على مداخل مدن وقرى محافظة الدقهلية وقف أعضاء الجماعة، أسر بأكملها، رجال، غالبيتهم ذو لحى خفيفة تميز أعضاء الجماعة، اصطحبوا زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم، اللاتي إرتدين الحجاب حتى صغيرات السن منهن. وقفوا في الشمس الحارقة لساعات منتظرين موكب مرسي الذي تأخر لأكثر من ساعتين، لكن حماسهم لم يفتر. الملاحظ أن الأهالي العاديين لم ينضموا للأسر الإخوانية في الترحيب بمرشح الجماعة.
امتلأ مدرج كلية الحقوق بجامعة المنصورة، الذي يسع بضعة آلاف، عن آخره بطلاب بدا من مظهرهم أن غالبيتهم ينتمون إلى الإخوان. جلس الطلبة الذكور في جانب من المدرج بينما جلست الفتيات في الجانب الأخر. حين دخل مرسي وبرفقته المرشح المستبعد خيرت الشاطر ضجت القاعة بتصفيق حماسي من الطلبة. حين بدأ الشاطر حديثه تفاعل معه الطلبه مقاطعينه أكثر من مرة بالتصفيق الحار والهتاف، وكما بدأ حديثه ونبرة التفاعل معه عاليه اختتمه وحماس الطلبة لم يفتر. حين جاء دور مرسي للحديث ضجت القاعة بالتصفيق الحار والهتاف، لكن بمرور الوقت فشل في الحفاظ على نبرة الهتاف والتصفيق بنفس الحماس الذي بدأت به.
في اليوم السابق وصف مرسي نفسه، خلال مؤتمر صحفي لتدشين حملته الانتخابية، بأنه يتمتع بـ"الكاريزما والعمق". كان هذا مثار للتعلقيات الساخرة في الإعلام وعلى صفحات تويتر وفيس بوك، فالرجل وإن كان سياسي مخضرم، شغل منصب المتحدث بإسم كتلة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب من عام 2000 إلى عام 2005، إلا أنه لا يتمتع بالكاريزما التي إدعاها لنفسه.
افتقاد مرسي للكاريزما لن تكون العقبة الوحيده في طريق طموح الجماعة الجديد، فعادة ما كان مرشحو الجماعة في الانتخابات البرلمانية أشخاص عاديين لا حضور لهم على الإطلاق، وكانوا يعتمدون على الدعم الكبير الذي تقدمه الجماعة. وهو ما عبر عنه مرسي نفسه حين قال في كلمته: "هذا مشروع (يقصد مشروع النهضة، برنامج الإخوان الانتخابي) نحمله جميعا، ولو تقدم أي واحد منا، مناسب للمرحلة فإننا كلنا جنوده" لكن هذه المرة الأمر مختلف، فهناك عقبات أخرى أكثر تأثيرا على فرص الجماعة أهمها أن هناك رأي عام أضحى غير واثقا في الجماعة، وهو ما عبر عنه حوالي 200 طالب وقفوا يهتفون خارج مدرج كلية الحقوق: "الكدابين أهم" و "يسقط يسقط حكم المرشد" وهي هتافات تتكرر بصورة متزايدة في أكثر من مكان ومناسبة ضد الإخوان، الذين ينظر إليهم من قطاع كبير من المصريين بأنهم يريدون تكرار تجربة الحزب الوطني الحاكم في أيام حسني مبارك، من خلال نزعتهم الاستحواذية التي ظهرت في أدائهم البرلماني.
كما أن الجماعة ستخوض الانتخابات هذه المرة وهي لا تتمتع، بالدعم غير المباشر الذي حصلت عليه من المجلس العسكري، الذي تغاضي عن كثير من الانتهاكات التي قامت بها وأثرت على نزاهة المنافسة. مع عدم إغفال ما يذهب إليه أصحاب نظريات المؤامرة من أن الحرب الكلامية بين الإخوان والمجلس العسكري، بخصوص قانون العزل السياسي والمادة 28 من الإعلام الدستوري، التي تحصن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية من الطعن، قد تكون نوع من التغطية على صفقات وتفاهمات جرت بينهما وراء الأبواب المغلقة، لا نعرف تفاصيلها بعد، وهو أمر له سوابق في ممارسات الجماعة والنظام العسكري الحاكم في مصر.
كما أن هناك مخاوف، ليس فقط لدي القوى السياسية، بل أيضا في الشارع العادي من أن فوز الإخوان بالرئاسة، بعد فوزهم بالانتخابات البرلمانية، سيخل بالتوازن السياسي. وسيعطي للإسلاميين احتكارا للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو أمر قد لا يكون صحيا لتطور التجربة الديمقراطية في مصر.
ولن يواجه الإخوان صعوبات تتعلق بضعف مرشحها وانخفاض شعبيتها فقط ولكن أيضا إعلام يبدو أنه أكثر تحيزا ضد الجماعة.
لكن
ليس معنى انخفاض شعبية الإخوان المسلمين أن عامل الدين لن يكون عنصرا أساسيا في الإختيار، كما كان في الانتخابات البرلمانية، فالمفارقة هي أن بعض ممن هتفوا ضد الإخوان في كلية الحقوق قالوا أنهم يؤيدون عبد المنعم أبو الفتوح، وهو قيادي إخواني فصل من الجماعة العام الماضي بعد أن خالف قرار مكتب شورى الإخوان بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية وأعلن ترشحه. وكان السبب الرئيسي لاختيارهم أنه متدين. ومع وصف أبو الفتوح لنفسه بأنه يتبنى توجه إسلامي معتدل فإن كثيرين، وخاصة من التيار الليبرالي، يتشككون في أن انتخابه سيأتي بنفس النتيجة، وهي سيطرة الإسلاميون على السلطة، فالأفكار التي يتبناها أبو الفتوح لم تتغير كثيرا عن أفكار الإخوان، كما أن حوالي 60% من المنخرطين في حملته الانتخابية ينتمون للإخوان، كما قال لي أحد أعضاء حملته.
ورغم كل هذه العقبات فالأمر الذي لا يمكن اغفاله أن أي من المرشحين لن يكون لديه الإمكانيات المادية والتنظيمية التي يتمتع بها مرشح الإخوان، ففي مساء ذلك اليوم حشد الإخوان أكثر من 20 ألف من أنصارهم في ستاد كرة القدم لمدينة المنصورة، جاءوا في أتوبيسات من المدن المحيطة.
No comments:
Post a Comment