مجدي سمعان:
يتعلم المسلمون فضيلة الصبر في شهر رمضان. هذا العام يصبر المصريون ليس فقط
على الامتناع عن الماء والطعام في ظل صيف حار جدا ونهار طويل، وزحام مروري خانق لكن
أيضا على الرئيس الجديد محمد مرسي الباهت، البطئ، البيروقراطي.
سألت أحد الشباب ويدعى أحمد وجيه، سائق تاكسي 25 سنة، وهو ممن شاركوا في "الثورة"
عن رأيه في الرئيس مرسي، فرد بضيق: "أشعر بالعار أن ثورتنا التي كنا نتغني
بها تمخضت فجاءت بمرسي"
عقب نجاح مرسي ذهبت إلى قريته، العدوة بمحافظة الشرقية، وتحدثت مع شقيقه
وشقيقته وعدد من أقرباءه وجيرانه، كما زرت قسم المواد بكلية الهندسة، جامعة
الزقازيق، وتحدثت مع أعضاء القسم. تكونت لدي صورة لشخصية الدكتور مرسي، الذي سبق
وأن ألتقيته وتحدثت معه بضع مرات.
من ضمن الأشياء التي ذكرها زملاءه في قسم المواد بكلية الهندسة إنه كان
يراجع أي خطاب أكثر من 10 مرات قبل أن يوقع عليه. وهو غير صدامي يحرص على أن يرضي
جميع الأطراف، وإن تطلب الأمر مناقشة أي موضوع داخل مجلس القسم، الذي تراسه لنحو 9
سنوات، بشكل مستفيض حتى يتوصل الجميع إلى رأي واحد. كما أنه لا يلجأ إلى تطبيق
اللوائح إذا أخطأ أحد الأشخاص ويحاول أن يجد له مخرجا. هذه الصفات اعتبرها زملاءه
صفات إيجابية وهم يروونها عنه، لكن حين يتعلق الأمر برئيس جمهورية مطلوب منه
السرعة والحسم في اتخاذ قرارات تتعلق بمصير شعب، طال انتظاره وصبره، فإنها تصبح
صفات سلبية.
من بين 64
وعدا انتخابيا في 5 مجالات وهي الأمن والمرور والخبز والنظافة والوقود وعد مرسي
بتحقيقها خلال المائة يوم الأولى، لم يشرع في تنفيذ سوى وعدا واحدا فقط وهو تنظيف
شوارع الجمهورية ورفع أكوام الزبالة، وحتى هذه الخطوة كانت في شكل عمل تطوعي قد
يعيد النظافة أسبوعا على الأكثر لكنه لا يقدم حلا مؤسسيا يحل المشكلة من جذورها.
ولازالت شوارع المدن الكبرى تعج بالفوضى المرورية وغياب الأمن، كما زادت ظاهرة
انقطاع الكهرباء.
وقد استغرق مرسي 26 يوما لتسمية رئيس الوزراء الجديد. وقد يكون اختيار الدكتور
هشام قنديل، وزير الري في حكومة الجنزوري، عنوانا لمرحلة حكم مرسي التي لن تعيد
الاستقرار المنشود إلى مصر وإن عاد فسيكون استقرار هش. فقنديل الموالي للنظام العسكري والذي خدمه في أكثر
الملفات حساسية معروف عنه أيضا تعاطفه مع التيار الإسلامي، وهو شخص بيروقراطي أيضا، لم
يحقق نجاحات تذكر في الملفات التي كان مسئول عنها، ولم يعرف عنه إنه كان مؤيدا
للثورة.
كما أن اختيار قنديل أضاء اللمبة الحمراء للقوى السياسية التي كانت قد
أعلنت تأييدها لمرسي في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، فقد بذل مرسي وعودا لما
يسمي" الجبهة الوطنية
الثورية" باختيار شخصية وطنية مستقلة لمنصب رئيس الوزراء، والتشاور معهم في اختيار
الحكومة بحيث تعبر عن التيارات مختلف التيارات السياسية، وإعادة النظر في تشكيل
الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ليصبح تشكيلها أكثر توازنا، إضافة إلى وعد بتعين
قبطي وإمرأة في منصب نائب الرئيس، لكن يبدوا أن وعود مرسي هذه لن تختلف كثيرا عن
وعود جماعة الإخوان المسلمين السابقة التي لم يفوا بها.
فسر كثير من المحللين قرار مرسي بدعوة مجلس الشعب الذي صدر حكم قضائي بحله،
للانعقاد بأنه بداية الصدام بين المجلس العسكري وبين الرئيس ومن ورائه الإسلاميين،
لكن مع مرور الوقت يتضح أن المسافة بين الرئيس الإخواني محمد مرسي والمؤسسة
العسكرية هي أقرب ما تكون بينه وبين القوى الثورية.
نقل الإعلامي حمدي
قنديل، عضو "الجبهة الوطنية
الثورية" عن مرسي قوله إن المجلس العسكري
" يحتاج إلىّ وأحتاج إليه" وهذا هو التوصيف الدقيق للأحداث،
فبالرغم من قرار مرسي بإعادة مجلس الشعب الذي ألغته المحكمة الدستورية، فالعلاقة
بين الطرفين، (الإخوان والعسكر) أعمق من ذلك، فقد نجح مرسي حتى الآن في توفير
حماية لأعضاء المجلس العسكري الذي وصلت حالة الغضب الشعبي لذروتها ضدهم قبل بدء
الانتخابات الرئاسية وكانت هناك مطالب قوية بتقديمهم للمحاكمة، بل أن مرسي وصف
الجيش بأنه (حامي
الثورة والديمقراطية)، وقدم
الشكر لأعضاء المجلس العسكري لما بذلوه من جهده وصفه بأنه كان لإنجاح الثورة بينما
يراه من قاموا بها بأنه خربها. وفي نفس الوقت فمرسي والتيارات الإسلامية في حاجة
إلى الجيش لاستمرار الهيمنة على الوضع السياسي في مصر، فكلاهما في مركب واحدة،
يرون في الديمقراطية الليبرالية تهديدا لمصالحهم وبقائهم.
No comments:
Post a Comment