مجدي سمعان
منتدى فكرة - 9 أغسطس 2012
العلاقة ما بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري تشبه رجل وإمرأة في غرفة
قيادة مغلقة لسفينة وسط بحر هائج. خارج الغرفة وقف بعض الأطفال يسمعون المرأة تصرخ.
ينادي الأطفال الركاب قائلين لهم إن الرجل يضرب المرأة وهي تحاول أن تنتزع منه الدفة
لإنقاذ السفينة! لكن حين يقترب الركاب من غرفة القيادة يكتشفون أن صوت الصراخ ما
إلا صوت استمتاع بعلاقة حميمة، فيدرك الركاب أن الحل الوحيد لإنقاذ السفينة هو كسر
باب غرفة القيادة وإخراج الرجل والمرأة خارجا!
هكذا كنت
أحاول أن أشرح لكثير من أصدقائي من المراسلين الأجانب الذي جاء بعضهم إلى القاهرة
خصيصا لمتابعة ما ظن إنه صدام بين الرئيس الجديد محمد مرسي والمجلس العسكري عقب بعض
القرارات التي أصدرها مرسي والتي أوحت بأن هناك صراعا بين الطرفين، لكن بمرور
الوقت يثبت أن القول بأن هناك صراعا ما بين القوتين الشموليتين (العسكر والإسلاميين)
هو تحليل مضلل، وقد ثبت ذلك من خلال الأفعال على أرض الواقع، مثل تكليف الرئيس
للحكومة الجديدة بقيادة الدكتور هشام قنديل، وهو شخص ذو توجه إسلامي، وفي نفس
الوقت ينتمي للنظام القديم، علاوة على حرص مرسي على نسب الفضل للمجلس العسكري في
حماية الثورة، في الوقت الذي توجه اتهامات لقياداته بقتل المتظاهرين، والتلاعب
بمطالب الثورة وإعادة انتاج النظام القديم، بل أن مرسي كرم رئيس الوزراء السابق
كمال الجنزوري ، الذي كان حزب الحرية والعدالة، الزراع السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين، قد قاد حمله ضد حكومته اتهمها فيها بالفشل، لكن يبدو أن هذه الحملة كانت
تندرج تحت الرسائل المضللة مثل تلك التي توحي بالصراع مع المجلس العسكري. المحصلة
هي أن الواقع يشير إلى أننا أمام حكومة ائتلافية ما بين العسكر والإخوان يقتسمون
بمقتضاها السلطة والنفوذ.
ومن إجمالي عدد الوزارات البالغ 35 وزارة احتفظ المجلس العسكري باختيار
الوزارات السيادية مثل الدفاع والداخلية والمالية والخارجية، بينما حصل الإخوان
على خمسة مقاعد أغلبها من الوزارات الخدمية، وشمل التشكيل 8 وزراء من حكومة
الجنزوري، و البقية هم موظفيين كبار وأكاديميين، أو شخصيات محسوبة على التيار
الإسلامي.
وإذا كانت الإدارة العسكرية للبلاد، منذ الانقلاب العسكري في يوليو 1952،
والتي تفتقر إلى الخيال، وتغيب السياسة عن عملية صناعة القرار الفوقية، أدت إلى
تراكم مشكلات كبيرة، مثل مشكلة الدعم، والفساد، والبيروقراطية، والعشوئيات...ألخ، فإن
العسكر سلموا السلطة لحكومة ثيوقراطية تفتقد هي الأخرى لأدوات العصر في التعامل مع
المشكلات، وفي ظل هذا الوضع فإن تلك المشكلات المزمنة التي وصلت إلى عدم قدرة
الدولة على الوفاء بالاحتياجات الاساسية للمواطنين، مثل انقطاع الكهرباء المتكرر
في معظم محافظات الجمهورية، في طريقها للانفجار.
موقع رئيس الجمهورية المصري، الذي خلا بالإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك،
كان يتطلب مواصفات مروض ديناصوات، فمؤسسات الدولة العميقة، التي تدافع عن بقائها،
تستعصي على الإصلاح وتحتاج إلى مبادرات شجاعة، وحلول إبداعية، ورؤية، وقبل كل ذلك
مشاركة شعبية ، لكن ما حدث إنه بدلا من أن يأتي مروض ديناصورات ليشغل الوظيفة جاء
ديناصور كانت أولى خطواته مؤشرا على إنه يتجه يتجه بالقطيع نحو حافة التل، مما
يزيد من حالة العصيان المدني غير الرسمي، وضعف الاستجابة الشعبية لمبادرات الرئيس
غير المقنع لغالبية المصريين.
وفي ظل هذه المشاكل الكبيرة، لم ياتي مرسي بحكومة تكنوقراط، أو بحكومة
ائتلاف وطني تتشارك عبء مواجهة الأزمات، وإنما بحكومة من الموظفين، الذين يمثلون
خير تمثيل الدولة العميقة، والذين لا يتوقع منهم أن يفكروا خارج الصندوق.
كتب الدكتور محمد حبيب، النائب السابق للمرشد العام
لجماعة الإخوان المسلمين، في جريدة المصري اليوم يصف التناقض ما بين الحكومة
الجديدة والثورة قائلا: "الخيال والطموح هما الأب الروحى للثورة، ولولاهما ما
كانت هناك ثورة... اختيار الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزراء ... خلا من أى خيال أو طموح.. مجرد
مجموعة من الموظفين الأكاديميين الذين تدرجوا فى سلك البيروقراطية العتيدة ووصلوا
لمناصب مدراء مكاتب أو رؤساء قطاعات فى وزارات ثبت فشلها وعجزها وقلة حيلتها"
المشهد الحالي في مصر يشير إلى هيمنة الإسلاميين والعسكر على السلطة على
نحو أشبه بالنمط الباكستاني، من ناحية، ومن ناحية أخرى خيبة أمل التيار الثوري
المدني وشعوره بالهزيمة. ومع الوقت يتكشف أن المرحلة الانتقالية في مصر تم توجيها
للوصول إلى هذه النتيجة التي لا تصب في صالح تحول ديمقراطي حقيقي يفتح المجال
للحريات العامة، وإنما يضع قيود عليها، وهو ما سيتمخض في النهاية عن موجة جديدة من
الاحتجاج ضد القوتين الشموليتين اللتان تتقاسما الأدوار، ولعل بواد هذا بدأت في
الظهور بالدعوة لمظاهرات يوم 24 اغسطس الجاري لاسقاط حكم الإخوان، وهي دعوة، وإن
كانت متعجلة في الحكم على أداء الرئيس الجديد، إلا أنها تعكس مذاج شعبي يصر على
عدم اختطاف "الثورة"
No comments:
Post a Comment