مجدي سمعان
هناك أوهام تردد في الإعلام ومراكز الأبحاث عن العلاقة ما بين الإخوان
المسلمين في مصر والمؤسسة العسكرية بداية بالحديث عن الصدام بين الطرفين، ثم
الحديث عن "الإنقلاب الإخواني على العسكر" ومؤخرا "أخونة
الدولة" و"أسلمتها" من يرددون هذا يأخذون من قرار إحالة الرئيس
الإخواني محمد مرسي قادة المجلس العسكري أو تعين قيادات إخوانية في مناصب قيادية
في الدولة، أو ظهور مذيعة محجبة على شاشة التلفزيون الحكومي دليلا على ما يذهبون
إليه، هذه التحليلات تأخذ بالظاهر دون التعمق في طبيعة النظام في مصر منذ يوليو
1952. من وجهة نظري فما يحدث الآن في مصر هو إعادة تكييف للنظام مع بقاء الخطوط
العريضة لسياساته كما هي.
من يتابع قرارات الحكومة الإخوانية لا يلمس أن تغيرا جوهريا قد طرأ سواء في
طريقة إدارة الدولة أو في الخطوط العريضة لسياسات النظام الحاكم سواء داخليا أو
خارجيا، وقد تندر النشطاء على صفحات التواصل الإجتماعي على هذه المفارقة بوضع صورة
مكونة من نصف وجه الرئيس السابق حسني مبارك والنصف الآخر لمرسي.
عندما اندلعت انتفاضة يناير 2011 كان هناك قلق لدى العسكر من فقدان السيطرة
على الحكم والخضوع للمحاسبة، وكان هناك خوف لدى التيارات الإسلامية من فقدان
السيطرة على المجتمع لصالح التيار الليبرالي العلماني وضياع الهوية الإسلامية بعد
عقود من الأسلمة المنظمة للمجتمع بمساعدة نظام يوليو، وهو ما كان سيقوض المشروع
الإخواني الذي طال العمل من أجله. تعاون الطرفان لإجهاض تحول ديمقراطي حقيقي لصالح
تجربة مشوهة تضمن بقاء نفوذ العسكر وعدم تقويض مشروع الدولة الدينية وفي نفس الوقت
تلبية مطالب التحول الديمقراطي شكليا. وقد ظهر هذا التعاون بين الطرفين، لعبور تلك
المخاوف، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011 لتمرير سيناريو مرتبك
للمرحلة الانتقالية.
نظرة عامة على ما يجرى في مصر تشير إلى أن كلا الطرفين (الإخوان والعسكر)
يديرون علاقتهم بمبدأ win-win فتعين المشير
حسين طنطاوي، وزير الدفاع السابق وهو شخص طاعن في السن ارتكبت في ظل حكمه جرائم
يعاقب عليها القانون الدولي، مستشارا للرئيس ومنحه قلادة النيل، وهي أرفع وسام
مصري، تضع من يحصل عليه بروتكوليا في مرتبة رئيس الوزراء ليس انقلابا ولكن تكريما.
وهناك معلومات متداولة تؤكد إنه كان هناك اتفاق على خروج هذه القيادات في ذكرى حرب
أكتوبر لكن التعجيل كان بهدف تلميع الرئيس الجديد وإعطائه رصيد لدى العامة بتصويره
على إنه الرجل القوى الذي أطاح بكل هذه الجنرالات، ومن ثم يحصل على القوة التي
تساعده على القيام بالدور المطلوب منه.
ومن يتحدثون عن أسلمة الدولة كأنهم يتحدثون عن دولة علمانية ويخشون من
أسلمتها متجاهلين أن الدستور المصري خلال العهد السابق ينص على أن مبادئ الشريعة
الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأننا نعيش في ظل حكم حكم عسكري ذو خطاب
الديني منذ 60 عاما. ولا يملك التيار الإسلامي الكثير ليفعله سوى التضيق على حريات
الإبداع على النمط السعودي، وهذا صعب، وغير ممكن أيضا.
في عام 2003 اتصلت بالدكتور عصام العريان، القائم بأعمال رئيس حزب الحرية
والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وكان آن ذاك عضوا بمجلس شورى الجماعة،
لسؤاله عن مشروع قانون تقدمت به أعضاء الإخوان المسلمون بمجلس الشعب يقضي بجلد
شارب الخمر. دافع العريان عن مشروع القانون لكنه قال في ذات الوقت: "نحن لا
نريد تطبيق الشريعة الآن، هدفنا هو بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع
المسلم، وحين إذن ستسقط الثمرة من تلقاء نفسها"
الجماعة، التي ترى في نفسها إنها حاملة لواء الإسلام، ليست في عجلة من
أمرها، وتدرك أن تنفيذ أهدافها التي صاغها حسن البنا منذ 80 عاما والمتمثلة في:
" تكوين
الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع
المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، فالدولة فأستاذية العالم وفقاً للأسس الحضارية
للإسلام." يستلزم الكثير من الوقت والمجهود الشاق والصبر
والبراجماتية، للانتقال من مرحلة الاستضعاف، إلى مرحلة الاستقواء والتمكين.
في الحقبة شبه الليبرالية الممتدة من ثورة عام 1919 وحتى عام 1952 قطعت مصر
شوطا كبيرا في طريق الحداثة والديمقراطية. كان تأثير التيار الديني ضعيف ومحدود.
لم يتمكن الإخوان المسلمون من الفوز بأي مقعد في الانتخابات البرلمانية في تلك
الحقبة. لم يكن ممكنا أن تهزم الجماعة حزب الوفد الليبرالي العملاق، آن ذاك،
سياسيا بأي حال من الأحوال في ظل مجتمع حداثي كوزموبوليتاني مفتوح دون المرور
بالحكم العسكري الذي مهد لها الطريق وساعد على انضاج الثمرة من خلال غلق المجتمع
على ما يجري في العالم وتبنى الدولة لخطاب ديني.
في مؤتمر نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية منذ بضع سنوات، بعنوان "مصر
ما بين الحداثة والتحديث" قال الدكتور جابر عصفور، الذي كان وقتها يشغل منصبا
رسميا كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة إن تجربة الحداثة المصرية أُجهضت بسبب
الفاشية العسكرية والدينية. كان هذا اعتراف مهم لأحد المسئولين الكبار عن الثقافة
في عصر مبارك يصور طبيعة العلاقة بين الإخوان والعسكر.
هذه ليست التجربة الأولى للإخوان المسلمين في الحكم. في عام 1952 قام تنظيم
أطلق على نفسه "الضباط الأحرار" بانقلاب عسكري. طبقا لمذكرات محمود
لبيب، قائد الجناح العسكري للإخوان المسلمين، ومذكرات خالد محي الدين "الآن
اتكلم" فإن 10 من بين 12 من أعضاء التنظيم ينتمون للجناح العسكري للإخوان
المسلمين على رأسهم قائد الإنقلاب جمال عبد الناصر، أما الضابطين الآخرين من خارج
الإخوان وهما خالد محي الدين، اليساري الذي سبق وأن انضم للاخوان المسلمين، ويوسف
صديق، الشيوعي، فقد وقع عليهم العبء الأكبر في القيام بالإنقلاب، وبالتالي تحمل
عواقب فشله. في نفس العام تم استبعاد صديق ومحي الدين بعد نجاح الانقلاب، فأصبح
قادة الإخوان جميعا من الإخوان. لم يكن من الممكن آن ذاك الكشف عن الهوية
الإخوانية لمن قاموا بالانقلاب لأنها كانت ستواجه برفض شعبي نظرا لعدم شعبية جماعة
الإخوان المسلمين مقارنة بحزب الوفد.
يرى أمين المهدي، مؤلف كتاب "الصراع العربي الإسرائيلي.. أزمة
الديمقراطية والسلام" أن انقلاب 1952 هو انقلاب إخواني بالرغم من الصدام
اللاحق بين ضباط الإخوان والتنظيم. قال: "استبعد عبد الناصر العناصر المدنية
في الإخوان واستعان بالشيوخ الذين كانوا أكثر تطرفا"
ويرى المهدي أن "الإخوان هم الاستثمار الاستراتيجي لجمهورية يوليو
العسكرية" والرصيد الذي استخدمته للسيطرة على المجتمع في ظل تغيب الوكلاء
الاجتماعيين الحقيقيين. ويعطي المهدي أمثلة لقيام أنظمة يوليو بأسلمة الدولة في
مقال له بجريدة الحياة بعنوان: "كيف مارس عبد الناصر الانقلاب الديني بعد
العسكري" أذكر منها أن مصر كان بها 7 مدارس 3 معاهد أزهرية قبل انقلاب يوليو
1952، أصبحت الآن 680 معهدا و13 ألف و500 مدرسة أزهرية.
في عام 1954 بدأ الفصيلين (العسكر والإخوان) عداءا مصطنعا أسس لخلق ثنائية
العسكر-الإخوان التي عاش عليها نظام يوليو حتى انتفاضة يناير. وما حدث خلال
المرحلة الانتقالية يمكن وصفه بأنه قلب تلك الثنائية لتكون ثنائية "الإخوان-العسكر"
فبعد أن استخدم العسكر الإخوان كفزاعة لتبرير البقاء في السلطة، جاء دور الإخوان
لاستخدام العسكر للوصول إلى الحكم مرة أخرى، لكن هذه المرة من خلال حزب سياسي وليس
تنظيما سريا.
قبل أكثر من عقدين كتب المفكر العلماني فرج فودة، الذي اغتيل على يد الإسلاميين، متنبأ بما سيحدث: "تبدأ الدائرة
المفرغة في دورتها المفرغة. ففي غياب المعارضة المدنية، سوف يؤدي الحكم العسكري
إلى السلطة الدينية ولن ينتزع السلطة الدينية من موقعها إلا الانقلاب العسكري الذي
يسلم الأمور بدوره بعد زمن يطول أو يقصر إلى سلطة دينية جديدة" في العام التالي لمقتل فوة منح مبارك جائزة
الدولة التشجيعية للشيخ محمد الغزالي صاحب فتوى إهدار دم فودة.
No comments:
Post a Comment