مجدي سمعان
بين وقت وآخر يشهد العالم موجة غضب إسلامية تجاه
أعمال تندرج تحت بند حرية التعبير في الدول الديمقراطية بينما يراها المسلمون على
أنها تجاوزات غير مقبولة تجاه عقيدتهم. وبالرغم من أن معظم هذه الاحتجاجات كان في
شكل مظاهرات سلمية إلا أن كثيرا ما كان المتظاهرون يفقدون السيطرة على سلمية
الاحتجاج في نوبات من الغضب العارمة، ويجنحون إلى العنف، كما حدث في الاحتجاج أمام
القنصلية الأمريكية في بنغازي والتي راح ضحيته السفير الأمريكي في ليبيا، وثلاثة
من العاملين في السفارة، ومحاصرة السفارة الأمريكية في القاهرة وإنزال العلم
الأمريكي ورفع علم القاعدة. هذه الاحتجاجات هي نسخة مكررة من سلسلة طويلة من
الأحداث المشابهة مثل الرسوم الكارتونية الدانمركية عام 2005. والسؤال، ما هي
أسباب الغضب الإسلامي؟
هناك أسباب مرتبطة بتعاليم الدين الإسلامي التي تحض
على "نصرة الإسلام" إذ ما تعرض لهجوم، وعزز هذا تنامي التيار الإسلامي
الأصولي بسبب انتشار الفكر الوهابي السلفي مرتبطا بالتدفقات المالية من دول النفط
العربية، والحكم الديكتاتوري العسكري ذو الخطاب الديني. وأسباب متعلقة بطبيعة
المجتمعات الإسلامية التي تقع فيها تلك الاحتجاجات والتي تتسم بكونها مجتمعات
محافظة أبوية، تحض على اتباع التقاليد واحترام المقدسات. ولا يخلو الأمر من
استخدام سياسي لمثل تلك الأحداث، ومحاولة تأجيج المشاعر الدينية من قبل وسائل
إعلام وأحزاب سياسية لتحقيق مصالح خاصة أو لإلهاء العامة عن قضايا أهم.
غير أن السبب الأهم من وجهة نظري هو الخوف على الإسلام. هناك اعتقاد لدى التيارات الإسلامية وخاصة السلفية بأن هناك مؤامرة
على الإسلام، وإنه في خطر. هذا الشعور بالخطر على الإسلام يمكن التأريخ له ببداية
حقبة العولمة وثورة الاتصالات وخاصة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. في ذلك
الوقت كتب صمويل هنتجتون مقاله عن صراع الحضارات. دعم هذا الاتجاه الحرب الأمريكية
على الإرهاب، وخاصة خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، والتي ربطت في
بداية الأمر بين الإسلام والإرهاب، قبل أن تعدل من خطابها وتفرق ما بين المتظرفين
الإسلاميين والمسلمين.
دفع هذا الخوف العناصر السلفية إلى اعتبار الولايات
المتحدة هي العدو الأول للإسلام بسبب مساندتها لإسرائيل، ومعاداتها للإسلام، من
وجهة نظرها. وفي نفس الوقت بدأت ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب.
كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي أحد تجليات هذا
الصراع، وساهمت في الوقت ذاته في تأجيج المخاوف لدى الطرفين (الخوف من الإسلام
وعلى الإسلام)
كان هناك اعتقاد لدى قطاع كبير من المسلمين بأن أجندة
بوش للحريات في الشرق الأوسط تهدف إلى القضاء على الإسلام كدين. حين وصف الرئيس
بوش الحرب على الإرهاب بـ"الحرب الصلبية" وهو تعبير ليس له مدلول ديني
في اللغة الانجليزية، استخدم الطرف الآخر هذا كدليل على ما ذهب إليه بأن المنطقة
العربية تتعرض لهجمة صليبية جديدة، تهدف هذه المرة القضاء على الإسلام.
دعمت المخاوف على الإسلام ظهور قنوات مسيحية تبشرية
ركزت على انتقاد الإسلام بعنف، وتبشير المسلمين بالمسيحية. أشهر تلك القنوات هي
قناة "الحياة" التي تبث من الولايات المتحدة الأمريكية. كانت البرامج
التي يبثها القس المصري، زكريا بطرس، المنفي خارج البلاد بسبب نشاطه التبشري، توجه
انتقادات لاذعة للإسلام. لاقت تلك البرامج ردود فعل واسعة في البلاد العربية، وكرد
فعل لها تم تأسيس كثير من القنوات الإسلامية، الأمر الذي دعم المناخ الطائفي في
كثير من البلاد العربية، مع زيادة وتيرة الأحداث الطائفية التي تعرضت لها الأقليات
المسيحية في العالم العربي وخاصة في مصر والعراق.
عقب انتفاضة يناير 2011 كان الخوف على الهوية
الإسلامية هو أحد الدوافع التي تحرك العملية السياسية في مصر، وتدفع لإستقطاب
سياسي ما بين إسلاميين وليبراليين. كانت هناك آمال لدى قطاع من المصريين عقب سقوط
حكم مبارك بأن مصر في طريقها للتحول الديمقراطي. عبر الإسلاميين عن مخاوفهم من تبعات
تحول الحكم في البلاد إلى نظام ديمقراطي ليبرالي على الهوية الإسلامية للبلاد،
التي عملوا على ترسيخها طوال سنوات الحكم العسكري لمصر منذ انقلاب يوليو 1952.
تعاونوا مع الحكم العسكري لاجهاض السيناريو الليبرالي للمرحلة الانتقالية. كانت
أولى المواجهات التي ظهرت فيها تلك المخاوف الاستفتاء على التعديلات الدستورية في
مارس 2011. انقسمت القوى السياسية إلى فصيلين، التيار الإسلامي، الذي كان يؤيد
التعديلات التي طرحتها اللجنة الدستورية التي شكلها المجلس العسكري ورأسها أحد
رموز التيار الإسلامي. وفصيل آخر مكون من الليبراليين الذين الذين كانوا يضعون
تصورا لانتقال منظم نحو الديمقراطية من خلال وضع الدستور أولا، ومن ثم رفضوا
التعديلات الدستورية.
كان الإسلاميون يروجون بين العامة للتصويت بقبول
التعديلات بأنه في حالة تمرير سيناريو الليبراليين فإن سيتم إلغاء المادة الثانية
من الدستور، وقد يصل الأمر إلى محو الهوية الإسلامية للبلاد، واعتبروا أن تصويت
الناخبين بنسبة 77% لصالح التعديلات بأنه "نصرا للدين"
هذا الخوف أيضا هو ما دفع السلفيين إلى إقتراح إضافة
مادة في الدستور تجرم الإساءة إلى الأديان في الدستور الجديد قبل أيام قليلة من
الاحتجاجات، وهو ما قد يكون سببا رئيسا في تصعيد التيارات السلفية للاحتجاجات.
في ظل عدم تحول حقيقي في دول "الربيع
العربي" نحو ديمقراطية ليبرالية حقيقية، تضمن حريات التعبير وحرية الأديان،
فإن هذا المناخ، الذي يسوده الخوف المتبادل، والذي يعزز نظرية صدام الحضارات مرشح
للتنامي.
No comments:
Post a Comment