المتابع للتحليلات السياسية لما يجري في مصر منذ يناير 2011 يكتشف أن الكتابات والآراء لم تصل إلى فهم عميق لتطورات الأحداث. وبالرغم من أن كثير مما كان يكتب في مصر كان موجه، لكن حتى المحللين المستقلين ومعظمهم خارج مصر فشلوا في فهم ما يجري. بعض الكتاب كانوا يتعاملون بالعقلية الغربية في تناول الأحداث السياسية، والتي تعتمد على التسليم بالمواقف المعلنة للأطراف السياسية على أنها تعبر عن الواقع على الأرض! لكن تناول الأحداث في ظل الأنظمة الديكتاتورية يختلف عن تناولها في ظل الديمقراطيات، ففي الديمقراطيات المستقرة يصح أن نأخذ بالمثل الغربي، what you see is what you get، ولكن في الديكتاتوريات، وخاصة في مصر، فإن المثل يصبح، what you see is what they cooked.
ولمن مهتم للفهم بعمق لما يجري في
مصر عليه أن يضع في الإعتبار الأتي، قبل أن يكتب أو يتحدث:
- أن النظام الحاكم في مصر (نظام يوليو العسكري) بنى على صفقة سرية بين
مجموعة ضباط ينتمون للإخوان المسلمين وبين جهاز المخابرات المركزية الأمريكية،
وللتغطية على هذه العلاقة اتبع الطرفان أساليب في التغطية على العلاقة مبنية على
العداء اللفظي في العلن والتعاون وتبادل المصالح في الخفاء. وقد ساعدت الولايات
المتحدة وتحديدا المخابرات الأمريكية في رسم الكثير من ملامح النظام، ومن وجهة
نظري فلازالت هذه العلاقة السرية هي حجر الزاوية في توجيه النخبة الحاكمة في مصر.
- إن من قاموا بانقلاب 1952، وكانوا 12 ضابطا، ينتمون لتنظيم "الضباط
الأحرار" كان من بينهم 10 ينتمون إلى الإخوان المسلمين، وبعد الانقلاب
بعاميين تخلص الضباط المنتمون لتنظيم الإخوان من غير الإخوان، وكانوا اثنين، وهما
يوسف صديق، وخالد محي الدين، إضافة إلى محمد نجيب، فأصبح تنظيم الضباط الأحرار هو
تنظيما إخوانيا خالصا. وإن العقلية السرية التي تربي عليها الضباط الإخوان هي التي
حكمت تصرفات العسكر في إظهار قشرة مدنية على السطح وأسلمة المجتمع، وتقاسم الأدوار
مع الإسلام السياسي في الخفاء. علاوة على استخدام التنيظم الأم (الإخوان المسلمين)
لضرب مطالب التحول الديمقراطي، مرارا وتكرارا، بالتهديد بتحويل البلاد إلى دولة
دينية، بينما الواقع يشير إلى أن الضباط الإخوان انجزوا المهمة بالفعل!
- أجهزة المخابرات والأجهزة السرية هي عقل النظام، وهي
التي لها اليد العليا في تحريك الأحداث، وبالطبع فإن طريقة إدارة رجال المخابرات
للأمور السياسية ستتبع منهج الخداع والتمويه والتغطية والإختراق، وهي الأساليب
المستخدمة في العمل المخابراتي. وبالتالي فإن كثير من المواقف تتخذ كستار للتغطية
على سياسات أخرى.
- إنه خلال 61 عاما من الحكم الشمولي العسكري تم السيطرة
على النخبة السياسية والثقافية والإقتصادية والإعلام، وتوجيهها لخدمة استمرار
وإطالة عمر الحكم العسكري، الذي يحتكر موارد البلاد ويديرها من خلال مجموعة قليلة،
تشبه "الانكشارية العسكرية" تتحالف مع مؤسسة الفساد. وأن المواقف
السياسية في غالبيتها تكون موجهها من الأجهزة الأمنية التي تتحكم من وراء الستار
في تلك النخبة، ولا يوجد وكلاء إجتماعيين أو سياسيين خارج السيطرة، ومن أرادوا
كذلك تم تهميشهم واستبعادهم، أو تشويه صورتهم.
إجمالا فإن اللاعبين الرئيسين على
الساحة السياسية المصرية يتبعون لأجهزة وتنظيمات سرية، وغالبيتهم لا نراهم في
المشهد في حين أنهم هم من يديرونه من خلف الستار، بعقلية يغلب عليها أساليب العمل
السري، ويساعدهم في تنفيذ ما يريدون أنهم يتحكمون في النخبة التي صنعوها كعرائيس
الماريونيت، فيثيرون بها ضجيجا بلا طحن، وأدوات الفعل في يدهم، فيصبح اللاعبون
الذين نراهم الإخوان، السلفيون، الليبراليون، الأزهر، الكنيسة... مجرد أدوات.
No comments:
Post a Comment