مجدي سمعان
دشنت مليونية "للثورة شعب يحميها" لتوحد القوة السياسية المدنية
وأعادت التوازن للمشهد السياسي المنقسم بين التيارين الإسلامي والمدني. وأثمرت
الدعوة للاحتجاج على الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الرئيس الإخواني محمد
مرسي عن خروج مئات الآف في ميدان التحرير وميادين معظم المحافظات.
امتلأ ميدان التحرير والشوارع المحيطة بأنصار الدولة المدنية، الذي جمعهم
الخوف من اختطاف التيارات الدينية للثورة، والغضب على إعلان مرسي الدستوري،
الإحباط من فشل الرئيس في الوفاء بوعوده، واستمرار الخطوط العريضة للنظام العسكري
ذو الخطاب الديني.
كان المشاركون في مليونية الثلاثاء
من مختلف الطبقات الإجتماعية، والأعمار، هتف المشاركون: "ياللي بتسال احنا
مين، أحنا كل المصريين. رجعنا تاني ومش خايفيين. واللي فاكر نفسه كبير لسه الثورة
في التحرير"
شارك تامر القاضي، صاحب شركة انتاج فني، وشريف زكي، ممثل، في المظاهرات منذ
يوم الجمعة الماضية، واعتصموا بالميدان الثلاث أيام السابقة على المظاهرة. عادا
إلى منزلهما للاستراحة وعندما عاد مساء الثلاثاء، ذهلوا من العدد المشارك: قال
القاضي"كنا نخشى بسبب انخفاض عدد المشاركين في الميدان اليومين الماضيين.
الوجوه التي أراها اليوم هي نفس الوجوه التي كنا نراه في 25 و و28 يناير"
قال زكي: "سعيد جدا إن الناس لازالت واعية. مبقاش يضحك عليها باسم
الإستقرار وعجلة الانتاج" وأضاف: "كانوا يعتقدون أنهم الأغلبية،
ويعتقدون أن الأغلبية تعطيهم الحق في أن يفعلوا أي شيء، لكن هذا العدد الضخم الذي
خرج اليوم سيعيد التوازن إلى المشهد السياسي"
انطق المتظاهرون من ثلاث نقاط تجمع في تمام الساعة 5 مساءا، حيث شارك في
المسيرة التي انطلقت من أمام مسجد مصطفى محمود عشرات الآلاف في مسيرة امتدت لنحو
500 متر، وغلب على المشاركين أعضاء التيار الشعبي الذي يقوده حمدين صباحي، الذي لم
يتواجد في بداية المسيرة، وانضم لها لاحقا. بينما تركز أعضاء حزب الدستور في
المسيرة التي انطلقت من دوران شبرا، بقيادة الدكتور محمد البرادعي. أما المسيرة
الثالثة فقد انطلقت من أمام مسجد الفتح بميدان رمسيس. إلى جانب ذلك صب في ميدان
التحرير العديد من المظاهرات الأخري وأهمها مظاهرة المحامين والصحفيين والفنانين.
الهتاف
الرئيسي في ميدان التحرير كان ينادي بإسقاط الرئيس، وعاد الهتاف "الشعب يريد
اسقاط النظام" وأيضا: "ارحل ارحل"
و"بيع بيع .. بيع الثورة يا بديع" إلا أن المطالب التي تتبناها
القوى السياسية لم تصل بعد إلى السعي نحو اسقاط الرئيس، وإنما تحقيق المطالب التي
تنادي بها القوى المدنية، وعلى رأسها حل الجمعية التأسيسية وتشكيل جمعية متوازنة،
ومحاكمة قتلة الشهداء، من بعد الاستجابة للمطلب الرئيسي وهو إلغاء الإعلان
الدستوري المكمل، وكل ما ترتب عليه.
وساهمت أزمة الإعلان الدستوري في توحيد قيادة التيار المدني بزعامة محمد
البرادعي، رئيس حزب الدستور، ومعه عمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر، وحمدين صباحي،
زعيم "التيار الشعبي" فقد تم تشكل ما يسمى "جبهة الإنقاذ
الوطني" كممثل لحركة التيار المدني وانضمت إليها معظم الأحزاب المدنية
الرئيسية.
وانتهى يوم الثلاثاء دون حدوث أي بوادر لإنفراج الأزمة أو مبادرات لحلها،
فقد صرح السفير محمد رفاعة الطهطاوي لبرنامج الحياة اليوم" إنه "لا
تراجع عن الإعلان الدستوري قيد أنملة" و أعلن حمدين صباحي في المؤتمر الصحفي
الذي عقد عقب الاجتماعي الذي عقدته "جبهة الانقاذ الوطني" الإثنين
الماضي إنه "لا حوار مع الرئيس إلا بعد إلغاء الإعلان الدستوري". في حين
رفض محمد البرادعي في مقابلة نشرتها الاثنين صحيفة المصري اليوم "لا لأي حل
وسط" لهذه الازمة.
كانت بوادر الدعوة للانتفاضة ضد مرسي قد بدأت بالفعل وعادت هتافات
"يسقط حكم المرشد" لكن مرسي لم ينتظر وأعطى مبررا لانتفاضة الثلاثاء
بالإعلان الدستوري الذي كان مفجرا لغضب متراكم. وقد وصف محمود حسين، عضو مكتب
الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، عقب محاضرة ألقاها عن الربيع العربي بمسجد
فنسبري بارك، أن مرسي: "تغذي بمعارضية قبل أن يتعشوا به" في حين وصف
الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، استاذ العلوم السياسية،بأنه "الدكتور مرسى أحرز هدفا فى
نفسه"
قالت جميلة
محمود، تعمل في مجال الإعلام: "هناك غضب ناتج عن ضياع حقوق الشهداء، يضاف
إليها فشل الإدارة، وقمع الحريات، تضاف إلى الأسباب التي قامت الثورة بسببها. كل
هذه اسباب للثورة ضد مرسي ومكتب الإرشاد"
لم يكن عصام حنفي، سايس في الساحة المقابلة لمسجد مصطفي محمود، راضيا على
المظاهرة، ويرى أنه لا مشكلة في قرارات الرئيس، ويعتبرها "قرارات عادية"
"عندما أراد السادات اتخاذ قرار الحرب قام بسجن بعض المعارضين ممن يعطلونه، وبالمثل
حينما قرر عمل السلام" وأضاف: "كيف نجري انتخابات مجلس شعب وشورى ثم
يأتي قاضي بجرة قلم ويلغي الانتخابات" وتابع"من يتظاهرون يحبون التظاهر
ويعترضون على أي شيء، والرئيس يحق له أن يحصن قراراته من راغبي الشهرة الذين
يعطلون أي شيء"
وفي ظل الضغوط المتزايدة قررت جماعة الإخوان المسلمين تأجيل المظاهرة التي
دعت إليها أمام جامعة القاهرة لتأييد الإعلان الدستوري "حقنا للدماء"
كما أعلنت الجماعة في بيان لها، وبالرغم من أن هذا القرار قد لاقى ارتياحا من قبل
الكثيرون في ظل تكهنات باحتمال خروج الوضع عن السيطرة وحدوث تصادم بين الطرفين.
إلا أن القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين ثروت الخرباوي رأي أن "تأجيل مليونية
الإخوان ليس هدفه حقن الدماء، لكن بسبب عدم قدرتهم على الحشد، إخوان المحافظات
رفضوا المشاركة حتى لا يتركوا محافظاتهم فيتم حرق مقراتهم "
قال الدكتور عصام العريان، نائب رئيس الحرية والعدالة، لشبكة سي إن إن، إن
الإعلان الدستوري الصادر عن الرئاسة مؤخراً لم ينتج عن حسابات خاطئة، وإنما يهدف
إلى «منع إجهاض الثورة»، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من الذين يشاركون في الاحتجاجات
حالياً من شخصيات «تنتمي لفلول النظام السابق وهي معادية للثورة»، على حد قوله.
بينما يتهم المتظاهرون في ميدان التحرير الإخوان المسلمين بأنهم امتدادا
للنظام السابق، ويستشهدون على ذلك بتكريم المشير حسين طنطاوي، وقيادات المجلس
العسكري، وتعين وزير داخلية كان مسئولا عن قتل المتظاهرين في شارع محمد محمود. هتف
المتظاهرون: "أحلق دقنك بين عارك تلقى وشك وش مبارك"
قال سامر
مهدي، رئيس نقابة جمارك السويس، "القرار الأول الذي اتخذه مرسي عقب إصداره
للإعلان الدستوري تعديل مادتين في القانون 35 لسنة
1976م المرفوض من النقابات العمالية،" وأضاف: "هذا يشير إلى مسلسل سيطرة
الإخوان على كل مرافق مصر، مرسي عدل قانون مرفوض من العمال، ليمكنه من السيطرة على
الاتحاد، بينما ضرب بعرض الحائط بمطالب العمال في الحريات النقابية"
القضاة هم أكثر الجهات المضارة من الإعلان الدستوري، حيث كانت غالبية بنودة
تتعلق بما يمكن وصفه بالنزاع ما بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وقد أضرب
القضاة بنسبة 90% والنيابات بنسبة 100%، وسط تمسك بالموقف الرافض للإعلان
الدستوري، الذي يراه القضاة أنه انتهاك صارخ لاستقلال القضاة. الذي يغل يد القضاة
في نظر قرارات الرئيس،
وقد فشل اجتماع مرسي بمجلس القضاء الأعلى في التوصل لحل للأزمة، وخرج
المتحدث باسم الرئاسة عقب الاجتماع الذي استمر لساعات يوم الاثنين الماضي ليعلن
أنه لا تغيير في الإعلان الدستوري. ومن جانبها ترفض التيارات السياسية المدنية
الحوار مع الرئيس قبل إلغاء الإعلان الدستوري، ثم التفاوض على صيغة توافقية لحل
المشاكل الخلافية التي تدور حول الدستور الجديد.
ويتواصل الإعتصام بميدان التحرير في ظل دعوة لمليونية جديدة يوم الجمعة
الماضية. بينما عادت جماعة الإخوان المسلمين إلى الدعوة إلى مظاهرة يوم السبت
لتأييد الإعلان الدستوري، وفي ظل اعتصام القوى المدنية بالميدان، فالوضع مرشح
لصدام ما لم تتراجع جماعة الإخوان المسلمين عن قرارها أو تغير مكان التظاهرة.
No comments:
Post a Comment