Monday, December 26, 2005

الحرية هى الحل



الحرية هى الحل
"مجتمع تغيب فيه الحرية مجتمع له سقف من النمو و التقدم لا يمكن ان يتخطاه مهما بلغ من تقوى و ورع"
بقلم- مجدي سمعان:

بالرغم من اني شاهدت فيلم القلب الشجاع للممثل الامريكى القدير ميل جيبسون عدة مرات الا اني لازلت اتوقف عند هذا الفيلم طويلا.خاصة في المشهد الأخير الذي يعدم فيه بطل الفيلم الثائر الاسكتلندي ضد الاستبداد الانجليزي وليام ولاس. حين يخيّروه بين ان يعلن استسلامه و ولائه لملك انجلترا فينجوا بنفسه، او يقتل و يعذب بابشع انواع التعذيب، فيقرر ان يتحمل الالم و يضحى بنفسه من اجل حرية وطنه. و جمع كل ما تبقى له من قوة و هو يلفظ انفاسه الأخيرة و صرخ بأعلى صوته "Freedom" أو حرية. و مات ولاس لكنه اصبح رمزا للحرية. فقد عرف معنى الاستبداد في غياب الحرية، و انه لا قيمة لحياة تامن فيها على حريتك حين قتلت زوجته أمام عينيه، و هو الذي لم يستطع اعلان زواجه منها لان الامراء الانجليز كانوا يأخذون العروس من عريسها في اول ليلة.
و في مشهد من المشاهد الرائعة و هو مشهد المواجهة بين الجيش الانجليزي المدجج بالسلاح، و بين المتمردين الاسكتلندين بأسلحتهم التقليدية. حين راي الاسكتلندين عتاد الانجليز ففكروا في الانسحاب، مستسلمين للخضوع مرة أخرى للاستبداد و التخلى عن حريتهم. فقال لهم وليام ولاس كلماته الرائعة التى ينبغى ان تكرر للمصريين في التلفزيون كما يكرر الاعلان ، او كما تكرر حكومتنا الاغاني الوطنية البلهاء، التى اصبحت مثار سخريتنا. "يمكنكم الان ان تنسحبوا و تعودوا الى منازلكم، لكن حين تأتى لحظة الموت و انت كهل كبير على فراشك ستتمنى ان يعود بك الزمن لتلك الحظة التى تخاذلت فيها و فرطت في حريتك"
و قد وقفنا –الشعب المصري- هذه الوقفة كثيرا و قررنا الانسحاب من المواجهة و اختيار ان نحيا بدون حرية تحت الاحتلال الاجنبي تارة و تحت الاستبداد الداخلى تارة اخرى، و تركنا خدودنا ملطشة لكل من هب و دب.
و قد مات اجدادنا و تركوا لنا ارث من العبودية، بكافة اشكالها، و الاستبداد الذي جعلنا غير واثقين من انفسنا، و امة من العجزة في كافة المجالات.

و ليس غريبا ان يكون اول ما يقابلك في الولايات المتحدة الامريكية هو تمثال الحرية، يحمل شعلة التنويرلهذه البلاد و الشعوب التى عرف معنى الحرية و هبت للدفاع عنها لانها تعرف ان حضارتها مبنية عليها. و قدمت تضحيات من اجلها من دماء ابنائها، في حين كنا نحن جبناء في تقديم التضحيات من أجل الحرية.
لقد سلب منا حكامنا في نهاية عهد الفراعنة حريتنا، فلم نشعر انها ضاعت منا حين تم استعمارنا. و خضعنا للاستبداد حتى كدنا ان ننسى اننا شعب يمكن ان يحكم نفسه، و المشهد المثير للسخرية في التاريخ المصري، عندما خلع المصريون الوالى العثمانى خورشيد باشا ذهبوا لشخص اجنبي اخر لكى يطلبوا منه ان يحكمهم.

لقد أصبحت " الحرية هى الحل" و الدواء الاكيد لحالتنا. في مصر و المنطقة العربية، التى اصبحت ثقافة الاستبداد جزء من تكوينها الثقافي. فاذا كان الاستبداد هو الذي أوصلنا الى هذه الحالة. و انا لا اتكلم عن استبداد الحكم فقط بل الاستبداد بكافة اشكاله، بدا بالاستبداد داخل الاسرة و استبداد رجال الدين، و استبداد صاحب العمل.. نهاية باستبداد الفرد الحاكم المتحكم.

و الخوف الان من وصول الاخوان الى السلطة، لاننا سنخرج من نظام ديكتاتوري يحكم باسم الفرد ، الى نظام شمولى اخر يحكم باسم الحق الالهي، و يسلب الهامش الضئيل من الحرية الاجتماعية المتاحة ليكون هناك من يحاسبونك على الارض على افعالك المفترض ان يحاسبك عنها الله، و في مناخ محافظ و متذمت مثل هذا لا ينمو الابداع لان الابداع هو ابن من ابناء الحرية. الحرية كما يعرفها العالم و ليست الحرية التى نضع لها الف قيد و نقرنها بالمسؤولية، و تضرب كفا بكف حين تجد من يحدثك عن الحرية و يضع لك قائمة طويلة من الممنوعات.
مجتمع تغيب فيه الحرية السياسية و الاجتماعية و بالتالي الحرية العلمية و الفنية و الادبية... هو مجتمع لها سقف من النمو و التقدم لا يمكن ان يتخطاه مهما بلغ من تقوى و ورع.
الحرية هى علاج امراض الاستبداد التى عششت في ثقافتنا، حتى أصبحت ثقافة شاذة عن ثقافة العالم شرقه و غربه. و و تغللغل تلك الثقافة جعلنا ندافع عنها تحت مسمى الخصوصية الثقافية. فحين تحدث احدهم عن الديموقراطية يجيب عليك بحماس انه مع الديموقراطية، و تكتشف في النهاية ان الديموقراطية التى يحدثك عنها هى غير تلك الحريةالتى يعرفها العالم و استقر عليها. و اصبحت لها محددات و اساسيات اذا غاب احدها لا تسمى ديموقراطية، و حين تقول له ان ما تتكلم عنه ليس الديموقراطية التى يعرفها العالم، فيرد عليك بنفس الشكل و الطريقة التى تردد مثل الببغاوات. و حين تحدثه عن حقوق عن حقوق الانسان ينتهى الحديث الى ان يبادرك القول "و ما رأيك في حقوق الشواذ اليست من حقوق الأنسان" و يضع لك امر حقوق الانسان كله في الشواذ. بزعم الخصوصية الثقافية لبلادنا و تقليدنا الاصيلة. برغم ان دولة مثل السعودية بها اكبر معدلات الشواذ في العالم.
و تجد نفس الحديث الذي تسمعه مع معظم الشعب المصري يكرر بنفس الشكل و الاسلوب، حول خصوصينا الثقافية العظيمة. و هذه الخصوصية هى نتاج لمجتمع محافظ تغيب فيه العقلية النقدية، و نقد الذات، و بالتالى اصبحت ثقافة راكدة، تصطدم الان مع العالم بعد سقوط الحواجز من جراء العولمة. هذه الخصوصية الثقافية أصبحت الان خطرا على العالم.
و خصوصيتنا الثقافية هى تركيبة فريدة من الاستبداد، و الفكر الدينى السلفى، و قد اصبحت مثل برميل برود يهدد قيم العالم المتحضر التى اولها الحرية و التنوع. و أصبحت الحرية بكل اشكالها هى الدواء، الذى يشبه ضوء الشمس الذي يدخل غرفة مظلمة بها روائح نتنة و مغلقة منذ سنين طويلة.

لذا فالحل كما اصبح واضحا امام الجميع هو في حزب ليبرالى حقيقي، يؤمن قادته بقيم الحرية كما كان حزب الوفد قبل الثورة. حزب يجعلنا نتصالح مع العالم الغربي لا نصطدم معه. و يعيدنا الى ركب الحضارة الانسانية بكل قيمها.

لنصرخ كما صرخ وليام ولاس بكل قوتنا "حرية" و المفارقة اننا الان قد لا نحتاج الا ان نقف في الشارع لنصرخ باصواتنا حرية. و لكن لا اعلم ماذا سيكون شكل المستقبل هل سنتطر الى ان نحمل السلاح مرة اخرى لنحرر بلادنا من محتل اجنبي "قرف" من سوء تدبيرنا، و ما نمثله من خطر على الحضارة البشرية بسبب تخلفنا.




Friday, December 16, 2005

الغد: حزب تحت الحصار


منذ أن ظهر حزب الغد على الساحة السياسية، و هو يخوض معركة تلو الاخرى، بداية بمعركة الحصول على رخصة تأسيس الحزب، حتى معركة مجلس الشعب الأخيرة. و لم يكد الحزب ان يخرج الى النور و يبدأ في بناء قواعده حتى واجه زعيمه الدكتور أيمن نور أتهام تزوير توكيلات تأسيس الحزب، التى على اثرها ألقى القبض عليه يوم 27 يناير من داخل مجلس الشعب بعد ان تم رفع الحصانة عنه في اقل من ساعة. و خلال فترة وجوده بالسجن واجه حزب الغد محاولات لاختراقه و تدميره من الداخل.


كان للطريقة التى القى القبض فيها على نور و تعمد اهانته، و تفتيش مكتبه و منزله، اثرها في تعاطف الناس معه، و اثارة قضيته على المستوى الدولى، سواء باعلان وزارة الخاجية الامريكية عن قلقها للطريقة التى يعامل بها نور و المطالبة بالافراج عنه بالاضافة الى البرلمان الاوروبي ، و منظمات حقوق الانسان.

بعد رحلة كفاح من اجل تاسيس حزب الغد قدم خلالها الدكتور ايمن نور 5 طلبات لتاسيس الحزب، استطاع ان يحصل على رخصة التأسيس من لجنة شؤون الاحزاب يوم 28 اكتوبر قبل صدور الحكم من لجنة شؤون الأحزاب بأيام قليلة. تخيل نور و مؤسسوا حزب الغد ان المهمة الصعبة قد انتهت، و تبقى ان يبدأ نور في مشواره الطموح لبناء حزب ليبرالي قوى ينافس على السلطة. و ما بين تاسيس الحزب في 28 اكتوبر و القبض على نور في 27 يناير اتبع نور سياسة الخطوات المحسوبة، و مثل ذلك شعاره "نحن لا نعارض ما ينبغى ان نؤيد، و لا نؤيد ما ينبغي ان نعارض" فلم يكن قيادات حزب الغد يضعون في اعتبارهم الصدام المبكر مع الحكومة. لكن الحزب لم يكن حزبا مستأنسا مثل بقية احزاب المعارضة القديمة، و بات واضحا انه يمثل جيل جديد من المعارضة المصرية بدأ يجذب اليه الكثيرين خاصة من الشباب. و خلال الفترة القصيرة التى تلت حصول الحزب على الشرعية قبل ان يتم القبض علي رئيسه، قام نور بنشاط مكثف من اجل بناء قواعد حزبه، سواء في تأسيس المقرات او في ضم أعضاء جدد، و بالفعل كان نمو الحزب سريعا مقارنة بالاحزاب القديمة.
حين بدأ الحزب كان مؤسسوه و على رأسهم الدكتور ايمن نور لديهم تطلعات في بناء حزب قوي مؤسسي غير تقليدي، يتفادى عيوب الاحزاب التقليدية، و كانت البداية بالمؤتمر التأسيسي الذي انتخب فيه الحزب رئيسه و هيئته العليا بشكل ديموقراطي، و لاول مرة في تاريخ الاحزاب المصرية تم تحديد فترة ولاية رئيس الحزب بدورتين فقط.
اتسمت المرحلة الاحقة لذلك بحماس اعضاء الحزب و الرغبة في بناء حزب قوي، متاثرين بالدفعة المعنوية التى حصل عليها الحزب بعد النصر الذي حققه في معركة التأسيس التى انتهت لصالحه، انعكس ذلك في الاجتماعات الاحقة للجمعية العمومية حيث كان هناك حرص من الحزب على الديموقراطية في اتخاذ القرار، بعد مناقشات مستفيضة. و لم تكن الخلافات في وجهات النظر في تلك المرحلة ظاهرة بشكل حاد، و اتسمت بانها تصب في اطار الرغبة في الدفع بالحزب للامام.


ركز حزب الغد في خطابه الحزبي انه الحزب الجديد لليبرالية المصرية، و انه امتداد للتيار الليبرالي الذي مثله حزب الوفد قبل الثورة لذا فقد حرص على عقد المؤتمرات الصحفية المهمة امام بيت الامة منزل الزعيم الراحل سعد زغلول.
كما ربط حزب الغد بين برنامجه و بين مطالب الحركات الجديدة مثل حركة كفاية التى تمسكت بموقفها من المطالبة بالتغيير الفوري للدستور، و اجراء اصلاحات سياسية جوهرية و لم يتخلى حزب الغد عن هذه المواقف.
كانت تلك المواقف، بالاضافة الى كسر حزب الغد لقيود الحركة المفرضة على الاحزاب في الاتصال بالجماهير مصدر قلق للنظام الذي وضع خطوط حمراء للعمل السياسي، و جعل الاحزاب مجرد ديكور يخلو من المضمون، بعزلها عن الجماهير، و مع الوقت استكانت الاحزاب لذلك، و مارست عمل روتينى غير جاد في السعي لبناء قواعدها.


و جاء القبض على أيمن نور ليضع حد لذلك، و لتصفية حزب الغد و رئيسه الذي لم يكن نشاطه ينم على انه سيكون ضمن الاحزاب الغير ساعية للسلطة مثل بقية احزاب المعارضة الاخرى. و في نفس الوقت انطلقت حملة لتصفية ايمن نور معنويا من خلال بعض الجرائد الحكومية و التابعة للنظام. ألا ان نور اكتسب تعاطفا شعبيا من وراء الطريقة التى تم القاء القبض عليه من خلالها، و اهتمام من قبل وسائل الاعلام الدولية به كزعيم شاب للمعارضة المصرية، كما لقى نور مساندة دولية من قبل الولايات المتحدة و الاتحاد الاوربي، مما اسهم في النهاية في الافراج عنه في شهر ابريل.
خلال الفترة التى قضاها نور في السجن و التى امتدت لثلاثة اشهر، ظهرت فيها الخلافات في الرؤى و التوجهات بين اعضاء الحزب، و كانت فرصة لاختراق الحزب من الداخل. و كان الاختلاف داخل الحزب بشأن كيفية التعامل مع النظام الحاكم، بمزيد من التصعيد كما كانت تتبنى المجموعة التى كان تمثلها الدكتورة منى مكرم عبيد، و السفير ناجي الغطريفي ، وهشام قاسم ، و وائل نوارة و و جميلة اسماعيل، و ايهاب الخولى. ام بالمهادنة و عدم استثارة الحكومة كما كانت تتبنى مجموعة رجب هلال حميدة و موسى مصطفى موسى و ابراهيم صالح. و كانت النتيجة هى تصاعد الخلافات بين المجموعتين، خاصة في بعض المواقف خاصة الموقف في الحوار الوطنى تجاه قضية تعديل الدستور الذي تبنى فيها المجموعة الاولى التى كان الدكتور ايمن نور يمثلها ايضا المطالبة بالتعديل الفوري، بينما وافق ممثل المجموعة الثانية موسى مصطفي موسى على فكرة تاجيل المطالبة بالتعديل. و كما اعترضت المجموعة ذاتها على ابراهيم عيسى، المرفوض من النظام كرئيس لتحرير صحيفة الغد. بينما تمسكت المجموعة الاولى به.
بالاضافة الى الخلافات فقد عطل دخول نور الى السجن من انطلاق الحزب في تاسيس قواعده الجماهيرية، بالسرعة التى كانت قبل دخول نور السجن.
و حين خرج نور من السجن استقبل استقبال جماهير غير مسبوق، بعدما ازدات شعبيته و هو خلف القضبان، و بدأ نور في الاستعداد الى الانتخابات الرئاسية بتصعيد حملة الانتقاد الموجهة الى الرئيس مبارك و اسرته.
و على المستوى الداخلى للحزب كانت الخلافات قد قسمت الحزب الى مجموعتين، و لم يستطع الحزب ان يعود مرة اخرى للممارسة الديموقراطية الداخلية، فدائما ما كانت اجتماعات هيئته العليا تشهد خلافات بين المجموعتين. و توقعت مجموعة منى مكرم عبيد ان يتخذ نور قرارات بفصل موسى مصطفى موسى و رجب هلال حميدة.ة الا ان نور لم يفعل خوفا من ان يؤدى ذلك الى تفكك الحزب. و في نفس الوقت فقد ادت المواقف التى اتخذتها اثناءهذه المجموعة وجود نور بالسجن الى انه لم يعد يثق فيها، و انعكس ذلك في تهميش دورهم في المهام الرئيسية للحزب.



أصبح التيار الليبرالي بلا صاحب يعبر عنه بقوة؛ فحزب الوفد ذو التاريخ العريق يواجه ازمات و انقسامات داخلية بسبب سياسيات رئيسه. بينما يعانى حزب الغد من محاولات للقضاء عليه من اجهزة الدولة، في الوقت الذي يحتجز زعيمه الدكتور أيمن نور خلف القضبان اثناء نظر قضية تزوير توكيلات حزب الغد.

و لعل الخطأ الأكبر الذي يؤخذ على الدكتور أيمن نور انه فتح ابواب حزبه الليبرالي الى كل من يرغب في الانضمام دون الالتفات الى توجهاته الفكرية، او انتمائه السابقة، فاصبح "الغد" خليط من توجهات سياسية بعضها غير ليبرالى. و في وسط ذلك تم اختراق الحزب من عناصر امنية عملت على بث الخلافات داخل الحزب و العمل على تدميره من الداخل و ظهر ذلك جليا حين دخل نور السجن لاول مرة احتياطيا في 28 يناير الماضى.