Friday, January 26, 2007

ماذا يأخذ الريح من الأقباط
لا مبرر أن يخاف الأقباط من الدولة الدينية لان مصر بالفعل دولة دينية يحكمها العسكر و الفساد.

حلم الدولة المدنية لازال مؤجل طالما بقي الإخوان و العسكر.
هل نخشى أن نتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان على يد الإخوان.. والسؤال العكسي هل هناك حقوق إنسان في مصر؟
الاختيار بين الإخوان و النظام كمن يختار أن يموت بالسم أو الرصاص.

لا للاستبداد الحاكمين بأمر الله و لا للحاكمين بأمر مبارك.
خلال مناقشات التعديلات الدستورية بمجلس الشعب حرص نواب الحزب الوطني علي التأكيد علي مبدأ المواطنة وركزوا حديثهم في تفسيرهم للمواطنة علي العلاقة بين المسلمين والأقباط وفي نفس الوقت لوحوا برفضهم لمبدأ قيام الأحزاب علي أساس ديني وهو التعديل الوارد في المادة (5) من الدستور.
وفي نفس الوقت انطلقت الجوقة الإعلامية الحكومية المستفيدة من النظام الحاكم تردد نغمة مكسورة تقول أن تعديل المادة (5) بحظر النشاط السياسي علي أساس ديني وتأكيد مبدأ المواطنة في المادة الأولي من الدستور هي تعديلات لازمة للحفاظ علي الدولة المدنية من جماعة الإخوان المسلمين التي تريد تحويل مصر إلي دولة دينية. وفي طيات هذا الحديث يلمحون إلي إن الأقباط في ظل دولة الإخوان الدينية سيزقون الويلات من التميز ضدهم إذ ما طبق الإخوان الشريعة الإسلامية.
المشهد بأكمله ذكرني القصة التي انتحل فيها الذئب دور الحمل و ذهب إلى الدجاج و حين صدقوه أكلهم. و المثير للسخرية أن الكنيسة القبطية تلعب دور الدجاج في هذا المشهد و تجعل من الأقباط كارت في يد نظام مبارك الذي أغلق كل أبواب الرحمة و أصم أذنه عن مطالبهم البسيطة. ة المثير للسخرية أيضا أن تلك المطالب لا تعدوا كونها ما يصدعوا رؤوسنا به هذه الأيام من حديثهم عن المواطنة.
التخويف و الخوف من دولة الإخوان الدينية لا يقتصر فقط علي الأقباط بل يمتد إلي قطاعات كبيرة من المجتمع المصري لكني في هذا المقال سأتناول ما اسميه بوهم الدولة المدنية وخوف الأقباط من الدولة من الدولة الدينية.
لنسال أنفسنا وليسال الأقباط أنفسهم ماذا سيحدث للأقباط في حال تولي الإخوان الحكم وتطبيقهم للشريعة الإسلامية و التي يعتبرها القانون الدولي بها تميز ضد الأقليات الدينية والعرقية والنوعية.
السؤال الثاني: هل دولة الرئيس مبارك والكيان المسمي بالحزب الوطني هي دولة مدنية؟!
الحقيقة إن الدولة المدنية التي تدافع عنها جوفه النظام ليست موجودة في الواقع في مصر ثانيا: إن خوف الأقباط من دولة الإخوان الدينية لا محل له لأني لا اعتقد إن وضع الأقباط سيكون أسوأ في ظل الدولة الدينية مما كان في ظل عهد الرئيس مبارك.
فبحسب الأرقام فإن فترة حكم الرئيس مبارك هي الأسوأ بالنسبة للأقباط منذ عهد محمد علي، فخلالها تعرض الأقباط لأكبر كم من أحداث العنف التي مست الأرواح و الممتلكات و لم يستحب الرئيس مبارك لأي من مطالب الأقباط التي تحقق لهم المساواة الفعلية.
إن دولة ينص دستورها علي إن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس دولة مدنية تحترم عقائد مواطنيها المختلفون في الدين.
إن دولة تنكر حق البهائيين في الوجود، و تطارد الشيعة و العلمانيين و تحاكم مدون يدعي عبد الكريم نبيل سليمان لأنه جهر بآرائه العلمانية ليس دولة مدنية.
إن دولة يمتلئ إعلامها الرسمي ونظامها التعليمي بمواد و تعاليم دينية تحض على كراهية الآخر ليس بدولة مدنية.

والحقيقة أيضا أننا نعيش اليوم في ظل دولة يمكن توصيفها بأنها دولة دينية يحكمها العسكر ويسيطر عليها الفساد. فما يتحدث عنه الحزب الوطني من أنه يدافع عن الدولة المدنية هو في حقيقة الأمر مجرد قشور للدولة المدنية، هامش من الحرية تستفيد منه فئة محدودة، فلا أعتقد أنه في حالة تطبيق الدولة الدينية، و اتخاذ إجراءات رسمية لأسلمة الدولة مثل منع شرب الخمور و إغلاق الحانات و المسارح و فرض الحجاب كزي رسمي... و غيرها من مظاهر الأسلمة لا أعتقد أن المواطن العادي أو المتوسط سيشعر أن ثمة تغير جوهري قد حدث في المجتمع.
نعم مصر الآن دولة دينية فلا مبرر أن نخاف من الدولة الدينية لأننا باختصار نعيش في ظلها فالناس في مصر الآن أصبحت تأكل وتتنفس دين. الثقافة الشعبية المدنية تآكلت وحل محلها ثقافة دينية ذات طابع وهابي.
إن دولة يرتدي أكثر من 90% من المواطنات المسلمات الحجاب ليس بالتأكيد دولة مدنية إن ما نعيشه اليوم في مصر قشور للدولة المدنية وليس دولة مدنية كما يعرفها العالم قشور من الأحزاب وليست أحزاب حقيقية فالنظام الحاكم حاصر الأحزاب وهمشها في حين ترك التيار الديني يتغلغل لأسلمة. المجتمع بل زايد عليه في أسلمة المجتمع سواء من خلال الإعلام أو التعليم.
وإذا كان من يخشي علي الحريات العامة من الدولة الدينية، فالحريات العامة بالفعل مصادرة سواء من خلال دولة المجتمع الدينية التي يكرسها و يدافع عنها نظام مستبد، أو من خلال دولة النظام العسكرية التي يحكم جهاز الأمن قبضته علي رقبة الحريات العامة ويمنع ويمنح ما يريده دون مسالة وبسلطات مطلقة يعطيها له قانون الطوارئ.
ماذا يمكن للأقباط أن يفعل بهم أكثر مما فعل نظام مبارك هل يخشون من إن يستبعدوا من وظائف الولاية العامة التي تحرمها الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين. الواقع يقول إن الأقباط بالفعل خلال فترة حكم مبارك تم استبعادهم أو تهميشه من تولي هذه المناصب.
هل يخاف الأقباط من إن يضيق عليهم في بناء وتجديد الكنائس طبقا للقواعد الإسلامية الخاصة بالبلاد التي فتحت عنوة والبلاد التي فتحت صلحا، الواقع يقول إن نظام مبارك والمجتمع المصري المتاسلم يضيق علي الأقباط في مسالة بناء الكنائس حتى إن مدينة أسيوط ذات الكثافة السكنية القبطية المرتفعة لم يرخص فيها بكنيسة واحدة للأقباط طيلة 50 عاما ولازال يصر الرئيس مبارك علي تطبيق الخط الهمايوني فيما يتعلق ببناء كنائس جديدة حيث يستلزم الحصول علي موافقته هو شخصياً.
هل يخشي الأقباط علي أرواحهم وممتلكاتهم.. أظن أيضا إن دولة الإخوان الدينية لن يكون الوضع فيها أسوأ كثيرا مما لاقاه الأقباط من اعتداءات علي الأرواح والممتلكات في ظل نظام مبارك، فعل مدي فترة حكمه لا تنقطع الحوادث الطائفية، التي ينهب فيها ممتلكات الأقباط ويعتدي علي أرواحهم حتى بلغت الحوادث الطائفية في عهد مبارك رقما قياسيا لم يشهده أي عهد أخر منذ عصر محمد علي.
هل يخشي الأقباط أن لا يتمكنوا من تمثيلهم داخل مجلس الشعب الواقع يقول انه لا يوجد من يمثل الأقباط داخل مجلس الشعب المجلس الحالي لان العضو الوحيد المنتخب و هو يوسف بطرس غالي كل الأقباط يعرفون انه لا يمثلهم بل يمثل الحكومة. وعدد الأقباط الذين وصلوا إلي مجلس الشعب خلال فترة حكم مبارك هو الأقل مقارنة بالعهود السابقة.
هل يخشي الأقباط إن يلقن أبناءهم التعاليم الدينية الإسلامية كارهين ويجبرون علي حفظ آيات قرآنية، الحقيقة إن الإخوان لن يستطيعوا ان يضيفوا كثيرا للمناهج التعليمية، التي تدرس التاريخ الإسلامي وتتعامل مع الحكام الأجانب الذين حكموا مصر منذ دخول العرب علي أنهم حكام شرعيين. بينما يتم تجاهل التاريخ المصري في الحقبة القبطية.. لن يستطيعوا أن يضيفوا إلى مناهج تزرع الفرقة الطائفية وتسمم عقول الأجيال المقبلة.
لما نحن مذعورون من الدولة الدينية ونحن نعيشها بأسوا ما تكون؟ ماذا يمكن إن يفعل أصحاب الدولة الدينية بنا أكثر مما هو حاصل؟ هل يخشي إن يطبقوا الحدود.. الجلد وقطع الرقاب والأيدي..... الحقيقة إن المصريين جميعا خلال حكم مبارك البوليسي تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب داخل أقسام الشرطة والمعتقلات دون أن يرتكبوا جرائم.
هل نخشى أن نتعرض لانتهاكات لحقوق الإنسان والسؤال العكسي هل هناك حقوق إنسان في مصر؟
و بالمناسبة فان تطيق الشريعة لن يشيع الفضيلة فيما يتعلق بالزنا، فكما شرح لي الدكتور عصام العريان- القيادي ألإخواني- إن تطبيق الحد فيما يتعلق بمسالة الزنا سيكون أمر شبه مستحيل، فالشروط التي وضعت لتطبيق هذا الحد صعبه بحيث يصعب توافرها فلن تستطيع الشرطة مثلا اقتحام البيوت لضبط الزناة متلبسين وحتى إذا تصادف واقتحمت الشرطة مكانا فيه اثنين بين الزناة فيجب إن يكونا الاثنين ملتصقين وإلا فلا تكون هناك جريمة.
إذا كان الأمر كذلك فماذا تأخذ ريح الإخوان من بلاط الأقباط
ممن نخشى أو ماذا تخشون عليه أن يضع و أنت تختار بين أن تشرب سم دولة الإخوان الدينية، أو بين أن يطلق علينا نظام مبارك العسكرديني رصاصة، ففي كلتا الحالتين نحن أمام مصير واحد سواء قتلنا بالسم أو بالرصاص، سواء خنق المجتمع بيد من يلبس عمامة رجل الدين أو من يلبس "برية" حاكم عسكري.
فهل يعني ذلك إن يستسلم الأقباط لدولة الإخوان الدينية إذا كانت لا تختلف كثيرا عن دولة مبارك.
الإجابة بالطبع لا، لان من يدعوا إلي ذلك هو كمن يستجبر بالرمداء من النار
الحل هو إن يقول الأقباط وغيرهم ممن يريدون الدولة المدنية -و هم بالمناسبة لازالوا الغالبية من الشعب المصري-: لا للإخوان ولا لنظام مبارك لا للأصل ولا للصورة لا للاستبداد بكل أشكاله، لا للاستبداد الحاكمين بأمر الله و لا للحاكمين بأمر مبارك.
فالحل لبلد أصبح مهدد بأن يدخل مرحلة الفشل هو أن ينتقل من نظام استبدادي قاتل ليس لنظام استبدادي آخر بل لدولة مدنية حقيقة، دولة الحرية و العدل و المساواة، دولة المواطنة التي سيشوه الحزب الوطني معناها.
فالأخوان ليسوا الحل و إنما الحرية هى الحل، الحرية بمعناها الذي يعرفه العالم و ليس الحرية التي نخنقها نحن بثقافتنا التي لم تخرج من ثقافة العصور الوسطي.
إن حلم الدولة المدنية حلم لازال مؤجل و سيبقى مؤجل طالما بقى الإخوان و التيارات التي تخلط الدين بالسياسة لأنهم سيعطون دائما مبرر للعسكر أن يبرروا استبدادهم بالسلطة، و تحارب الحرية.
و بالمناسبة يا له من عجب ما نعيشه هذه الأيام من خلط و تلاعب بالمفاهيم، فالكل أصبح الآن يتحدث عن الديمقراطية و المواطنة و الدولة المدنية و هي المصطلحات التى كانت عدوا لهم جميعا و لكن الخديعة الكبرى أن كل هؤلاء يتحدثون عن هذه المصطلحات بفهمهم الخاص لها، فلا النظام يقصد الدولة المدنية و المواطنة حينما يأكل رؤوسنا ليل نهار بالحديث عنهم، و لا الإخوان يقصدون الديمقراطية، أو الدولة المدنية أو المواطنة أو حقوق الإنسان كما يعرفها أساتذة العلوم السياسية و كما استقر عليها العالم. الأمر لا يعدوا كونه تلاعب بالألفاظ حتى يخلع الذئب ثوب الحمل و يكشف عن وجهه الحقيقي.