Saturday, December 15, 2007

زيارة إلى كريم عامر في سجن برج العرب




كريم عامر: سيضطر المستبدون للاعتراف بوجودنا و سنحقق حلمنا بتحرير العالم من مخلفات الماضي



حين قررت زيارة المدون المصري كريم عامر المحكوم عليه بالسجن 4 سنوات بتهمة "التحريض على كراهية الإسلام و إهانة رئيس الجمهورية" اعتقدت أن الأمر سيكون صعبا، و لكن حين اتصلت بمحاميه جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أكد لي أن الأمر ليس كذلك.. اتفقنا على أن أنضم إلى المجموعة التي تعتزم زيارته و هم روضة أحمد سيد المحامية بالشبكة و التي تقوم بدور رائع و في صمت في الدفاع عن كريم و غيره من سجناء الحريات بجوار جمال عيد الذي يتحلى بشجاعة الناشط الحقوقي المبدئي الذي يدافع عن الجميع طالما تعرضوا لإنتهاكات بغض النظر عن اتفاقه أو إختلافه معهم في الرأي. كان معنا أيضا هويدا طه مراسلة قناة الجزيرة التي تحاكم بسبب إنتاجها
لفيلم عن التعذيب في مصر، وزوجها، و المدونة نوارة أحمد فؤاد نجم.


مجمع سجون برج العرب يعد من أكبر السجون الموجودة في مصر، حيث يوجد بداخل أسواره عدة سجون يتكدس فيها المسجونين، ينامون على الأرض، و عادة ما لا يحظى المسجون إلا على 30 سم فقط لينام عليها.

كان تخوفنا من أن يتم منعنا من الدخول، لكن الإجراءات سارت بشكل طبيعي حتى دخلنا المكان المخصص للقاء المسجونين بأسرهم و تفتيشنا. بدأ حوالي 50 مسجون في الخروج. بدا أن بينهم مسجونين لجماعة الإخوان المسلمين و التيارات الإسلامية، بخلاف المسجونين الجنائيين، لكن كريم لم يكن وسطهم. بدأ يساورنا القلق من أن تكون إدارة السجن ستمنع عنه الزيارة. سألت جمال عيد عن إمكانية حدوث ذلك، فرد مطمئنا أن ذلك غير ممكنا لأنه غير قانوني.
رحت أتأمل في وجوه المسجونين الذين بدت عليهم البساطة. جلس أمامنا أحد المسجونين يبدو عليه من معتقلي جماعة الإخوان المسلمين، التقى زوجته المنقبة بالأحضان و بعد السلام المقتضب على والدته و أبنائه راح يحاول أن يختلس قبلة على وجنة زوجته، بينما جلس شخص آخر يبدو عليه أن تعرض لظلم أرسله خلف القضبان مع زوجته لا يتحدثان إلا القليل و نظراتهما حائرة... وجوه تبدو عليها علامات الفقر و القهر و الخوف، و قصص لا نعلم عنها شيئا.
بعد مرور قرابة نصف ساعة و بدء المسجونين في العودة إلى الزنزانة، خرج كريم حيث كان يرتدى بذلة السجن الزرقاء و تحتها "تي شيرت" أزرق رث.

جلسنا معه نحن الستة، بينما كانت تتابعنا أعين حراس السجن و أحد الأشخاص يحاول أن يقترب منا ليسمع ماذا نقول. أخبره عيد بالتطورات المتعلقة بقضيته و بالبلاغ الذي قدمه للنائب العام يتهم أحد الضباط بالاشراف على تعذيبه، و بالموقف في النقض الذي من المنتظر أن تنظره المحكمه.

في توازن و رباط جأش حكا كريم الاعتداء الذي تعرض له من قبل أحد المسجونين بإشراف أحد ضباط السجن، و أرانا مكان "الناب" المكسور جراء التعذيب حيث طرحه هذا المسجون أرضا و نام على رأسه و انهال عليه ضربا بإشراف الضابط. و هو نفس المسجون الذي حاول الوشاية به حين رآه يتحدث مع المسجونين الإرتريين الذين حاولوا التسلل لإسرائيل بالانجليزية فظن أنه يحرضهم على الإضراب.
يقول كريم "كنت أتحدث مع المسجونين الارتريين الذي تم القبض عليهم أثناء محاولة تسللهم الحدود المصرية الإسرائيلية بالغة الإنجليزية فظن هذا الشخص أني أحرضهم على الإضراب، حاول الوشاية بي لدى إدارة السحن، و تشاجر معي و بالرغم من اعتداءه على فقد تم حبسي 10 أيام في السجن ألإنفرادي"


كانت سعادته بلقائنا تساوي سعادته بما أحضره جمال و هويدا.. بطانية رخيصة الثمن من الألياف الصناعية حيث لا تسمح إدارة السجن بدخول "بطانيات" غالية الثمن، و بعض الملابس الشتوية حيث ينام كريم – مثله مثل معظم سجناء مصر - على الأرض.

قال كريم "السجن لم يغير فيَ شيئا لازالت متمسك بأفكاري لأن القمع لا يستطيع أن يقتل الأفكار"

و أضاف "ما الفرق بين الإهانة و النقد. لم أقصد أن أجرح مشاعر المسلمين لكني مارست حقي في النقد"

عائلته لا تزوره في السجن و تكتفي والدته من حين لأخر بالرد على رسائله البريدية حيث يحاول أن يشرح لهم أنه لم يخطئ و لا يستحق غضبهم عليه، بينما تحاول هي ِإثناءه عن أفكاره.

في يوم 14 نوفمبر الماضي تقدمت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ببلاغ للنائب العام تتهم فيه أحد ضباط السجن بالإشراف على تعذيب كريم.
حكا لنا كريم الاعتداء الذي تعرض له من قبل أحد المسجونين بإشراف أحد ضباط السجن، و أرانا مكان "الناب" المكسور جراء التعذيب. حيث طرحه هذا المسجون أرضا و نام على رأسه و انهال عليه ضربا بإشراف الضابط. و عاقبه الضابط بوضعه في الحبس ألإنفرادي لمدة 10 أيام.

عقب الزيارة أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بيان رسمي لها قالت فيه أن مرور أحد عشر يوما منذ تم تقديم بلاغ للنائب العام حول واقعة التعذيب التي تعرض لها المدون كريم عامر في سجن برج العرب دون بدء تحقيق يثير المخاوف والشكوك حول العدالة ويبقي الباب مفتوحا للإفلات من العقاب في مصر.

قال جمال عيد "في وقائع التعذيب يتم التحقيق سريعا قبل أن تختفي أثاره لكن يبدو أنهم ينتظرون اختفاء آثار التعذيب حتى يبدءون التحقيق"

حينما حل بالسجن نزل كريم لمدة 65 يوما بالحبس الانفرادي. ثم نقل إلى سجن السياسيين حيث يوجد بعض معتقلي الإخوان و جند الله، ثم نقل إلى عنبر الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحكام جنائية.

يشكو كريم من سوء معاملته من إدارة السجن. قال "حينما ترى إدارة السجن أن شيئا ما يريحني يمنعوه عني"
بالرغم من وجوده في عنبر المحكوم عليهم جنائيا، و هو سجين رأي إلا أن كريم تمكن من بناء علاقة جيدة مع السجناء، فهو لا يسعى للدخول في مناقشات معهم يرى أن لا جدوى من وراءها.

بخلاف المجموعة التي صحبتنا في الزيارة و أحد المدونات تدعى شهيناز لا يزوره أحد، حتى أسرته لا تزوره. يقضي وقته داخل السجن في القراءة و يرسل بعض مقالاته للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، التي يصل بعضها بينما يفقد البعض الأخر، كما يستغل هذه المقالات في التنفيس عن نفسه و يروى ما يحدث له داخل السجن.
لم يستغرق اللقاء إلا قرابة نصف ساعة أعلن بعدها حارس السجن أن الزيارة قد انتهت، و أتي لاصطحاب كريم الذي عانقنا و تبادل معنا العناوين البريدية ليتبادل معنا الرسائل، و أبلغته نوارة بتضامن كثير من المدونين معه.

قالت هويدا طه التي حكم عليها بالسجن في مايو الماضي لمدة 6 أشهر بسبب قيامها بعمل فيلم تسجيلي عن التعذيب في مصر و تنتظر الحكم في الاستئناف يوم 3 ديسمبر القادم."التضامن مع كريم هو تضامن مبدئي مع حرية الرأي و التعبير المكفولة للجميع بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معها"
و أكدت أن قضية كريم تحتاج إلى ضغط إعلامي أكبر، و تدويل القضية على مستوى المنظمات الدولية الموثوق فيها لأنها تتعدى طاقة القوى الداخلية.

و نقلت نوارة صاحبة مدونة "جبهة التهيس الشعبية" و ابنة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم تضامن عدد كبير من المدونين مع كريم.
و قالت "بالرغم من أني مختلفة مع كريم في الفكرة و طريقة التعبير عنها إلا أني أرى أن الرأي يرد عليه بالرأي و ليس بتقييد الحرية و القمع"
و أضافت "ليس لدي مشكلة في أن ينتقد كريم عقيدتي لأنها ليست عقيدة ضعيفة، و أعتقد أن السبب الرئيسي في الحبس هو أنه هاجم رئيس الجمهورية. لأنه لو كانت الحكومة تعاقب مزدري الأديان فلماذا تترك أصحاب المواقع التي تزدري المسيحية، أليست المسيحية دين أيضا"

Friday, July 20, 2007

لغة الماضي التي تحكمنا

لغة الماضي التي تحكمنا



هناك العديد من المعوقات التي تقف حائلا أمام نهضة العالم العربي، تحتاج إلى كتاب كامل قد لا يكفي لسردها، غير أن واحدا من أهم هذه المعوقات هو معوق اللغة العربية و التي هي الرابط الرئيسي بين هذه الدول، هي نفسها المعوق الرئيسي لتقدمه. فاللغة العربية لغة قديمة لم تتطور، و لم تجر عليها دراسات لغوية كافية تجعلها تواكب التغيرات العصرية. و إن كانت في الوقت ذاته لغة ثرية بتراث عريق لا ينكره أحد، لكنها كأي كائن حي يموت أو يضعف و يضمحل إذ لم يعتن به.
و السبب الرئيسي الذي وقف حائلا دون تتطور اللغة العربية هو ربطها بالقرآن الكريم، فأصبح تطورها مساس بالقرآن ذاته، فتحديث الكلمات و المعاني يجب أن يرتبط بإعادة ترجمة أو صياغة الآيات القرآنية و هو أمر غير مقبول كلية إسلاميا.

في حديث مع الزميل صابر مشهور الصحفي بالمصري اليوم أثناء عودتنا من لندن قال لي أن أحد أسباب الإرهاب هو عدم فهم المسلمين لدينهم، فقاطعته قائلا: كيف لا يفهم المسلمون أمور دينهم و هناك 30% من المساحة الإذاعية في التلفزيون المصري دينية، و انتشار القنوات الدينية الإسلامية بشكل كبير، إضافة إلى تدريس الدين الإسلامي في مراحل التعليم المختلفة، و تدريسه ضمن منهج اللغة العربية، علاوة على وجود جامعة الأزهر التي يدرس خريجيها علوم الدين إلى جانب العلوم الدنيوية.
المشكلة إذا ليست في أن المسلمون لا يفهمون أمور دينهم، و لكن المشكلة هي أن مفردات القرآن أصبحت عصية الفهم، و يحتاج المسلم إلى من يفسر له الآيات، و تحدث مشكلة أخرى، و هي تضارب التفاسير، و تلاعب المفسرون.
فاللغة مثل الكائن الحي، تنمو و تتطور كلما تطور النشاط الإنساني، فتختفي كلمات، و تستحدث أخرى، و تتغير معاني مصطلحات، فما كان في الماضي يحمل معنى ايجابي و مقبول قد يصبح في الحاضر ذا معني سلبي مرفوض، و العكس.

و لأن الحياة لا تتوقف ففي ظل جمود اللغة العربية ظهرت اللهجات المحلية لتستوعب التطور، و أصبحت اللغة العامية و أشهرها العامية المصرية أكثر قدرة على التعبير عن حاجات أهل مصر، فهي لغة مرنة بالنسبة لهم يستطيعون فيها الإضافة أو الحذف.
و ضمن اللهجة العامية المصرية هناك اللهجة القاهرية التي أصبحت أشهر لهجة عربية، معروفة في معظم البلاد العربية لأنها لغة الفن المصري الذي انتشر في البلدان العربية. و ليس فقط استخدام هذه اللهجة في الفن هو ما جعلها مميزة، بل تميزها يرجع إلى أن القاهرة كانت منذ دخول العرب مصر و قبل ذلك ملتقى للعديد من المؤثرات الحضارية و الثقافية، أثرتها و إضافة إليها من ثقافات شعوب أخرى، و حسنت منها فأضحت لغة رشيقة.

خلال حديث مع رامز عطا الله مدير دار الكتاب المقدس قال لي أن الترجمة العربية للكتاب المقدس الحالية و التي تسمى بالترجمة البيروتية و التي نفذت عام 1865 أصبحت قديمة، وهى لم تتجاوز مئة و خمسين عاما، و يحتاج المسيحيين الناطقين باللغة العربية إلى ترجمة جديدة للكتاب المقدس، و فسر ذلك بأن بعض المفردات التي استخدمت في الترجمة في منتصف القرن التاسع عشر أصبحت صعبة الفهم و أخرى تحرف معناها، و لصعوبة اجتماع الطوائف المسيحية مرة أخرى و اتفاقها على ترجمة جديدة قامت دار الكتاب المقدس بعمل طبعة جديدة للكتاب المقدس-إلى جانب الطبعة الموجودة- بها هوامش لمعاني الكلمات التي أصبحت عصية على الفهم، و شرح للمعنى الأصلي لبعض الكلمات التي حملت معاني جديدة، كحل وسط لحين اجتماع الطوائف المسيحية لعمل ترجمة جديدة، غير أن بعض الطوائف مثل الكاثوليك و الإنجيليين لم تنتظر و قامت بعمل ترجمات عربية جديدة للكتاب المقدس.
على الجانب الآخر المشكلة أصعب، فإعادة صياغة القرآن بلغة عربية جديدة فكرة مرفوضة شكلا و موضوعا من قبل المسلمون، لأن القرآن بالنسبة للدين الإسلامي هو لوحا محفوظ لا تتبدل كلماته. كما أن بقاء اللغة العربية على هذا الحال أصبح معوقا كبير للتقدم، كما يرى كثير من خبراء اللغة. الأمر إذا يحتاج إلى تفكير للوصول إلى حل وسط، كأن يتم استخدام أحد اللهجات المحلية و تطويرها و وضع قواعد لها لتكون لغة مكتوبة و منضبطة علميا، و تبقى اللغة العربية الكلاسيكية لغة دينية كما اللغة اللاتينية أو القبطية، أو غيرها من اللغات التي ارتبطت بأحد الأديان، تستخدم
للصلاة و العبادة فقط.

Monday, July 09, 2007








هل مستقبل لندن اسلامي؟



المسلمون في لندن معضلة تحاول الحكومة البريطانية ايجاد حل لها


الإعلام البريطاني يحاول الإجابة على السؤال: ما علاقة الإرهاب بالسلام


بينما تحاول الحكومة وضع سياسات اكثر حزما في التعامل مع المتشددين المسلمين







وقفة للتضامن مع آلان جونسون أمام مقر ال بي بي سي بلندن


Friday, January 26, 2007

ماذا يأخذ الريح من الأقباط
لا مبرر أن يخاف الأقباط من الدولة الدينية لان مصر بالفعل دولة دينية يحكمها العسكر و الفساد.

حلم الدولة المدنية لازال مؤجل طالما بقي الإخوان و العسكر.
هل نخشى أن نتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان على يد الإخوان.. والسؤال العكسي هل هناك حقوق إنسان في مصر؟
الاختيار بين الإخوان و النظام كمن يختار أن يموت بالسم أو الرصاص.

لا للاستبداد الحاكمين بأمر الله و لا للحاكمين بأمر مبارك.
خلال مناقشات التعديلات الدستورية بمجلس الشعب حرص نواب الحزب الوطني علي التأكيد علي مبدأ المواطنة وركزوا حديثهم في تفسيرهم للمواطنة علي العلاقة بين المسلمين والأقباط وفي نفس الوقت لوحوا برفضهم لمبدأ قيام الأحزاب علي أساس ديني وهو التعديل الوارد في المادة (5) من الدستور.
وفي نفس الوقت انطلقت الجوقة الإعلامية الحكومية المستفيدة من النظام الحاكم تردد نغمة مكسورة تقول أن تعديل المادة (5) بحظر النشاط السياسي علي أساس ديني وتأكيد مبدأ المواطنة في المادة الأولي من الدستور هي تعديلات لازمة للحفاظ علي الدولة المدنية من جماعة الإخوان المسلمين التي تريد تحويل مصر إلي دولة دينية. وفي طيات هذا الحديث يلمحون إلي إن الأقباط في ظل دولة الإخوان الدينية سيزقون الويلات من التميز ضدهم إذ ما طبق الإخوان الشريعة الإسلامية.
المشهد بأكمله ذكرني القصة التي انتحل فيها الذئب دور الحمل و ذهب إلى الدجاج و حين صدقوه أكلهم. و المثير للسخرية أن الكنيسة القبطية تلعب دور الدجاج في هذا المشهد و تجعل من الأقباط كارت في يد نظام مبارك الذي أغلق كل أبواب الرحمة و أصم أذنه عن مطالبهم البسيطة. ة المثير للسخرية أيضا أن تلك المطالب لا تعدوا كونها ما يصدعوا رؤوسنا به هذه الأيام من حديثهم عن المواطنة.
التخويف و الخوف من دولة الإخوان الدينية لا يقتصر فقط علي الأقباط بل يمتد إلي قطاعات كبيرة من المجتمع المصري لكني في هذا المقال سأتناول ما اسميه بوهم الدولة المدنية وخوف الأقباط من الدولة من الدولة الدينية.
لنسال أنفسنا وليسال الأقباط أنفسهم ماذا سيحدث للأقباط في حال تولي الإخوان الحكم وتطبيقهم للشريعة الإسلامية و التي يعتبرها القانون الدولي بها تميز ضد الأقليات الدينية والعرقية والنوعية.
السؤال الثاني: هل دولة الرئيس مبارك والكيان المسمي بالحزب الوطني هي دولة مدنية؟!
الحقيقة إن الدولة المدنية التي تدافع عنها جوفه النظام ليست موجودة في الواقع في مصر ثانيا: إن خوف الأقباط من دولة الإخوان الدينية لا محل له لأني لا اعتقد إن وضع الأقباط سيكون أسوأ في ظل الدولة الدينية مما كان في ظل عهد الرئيس مبارك.
فبحسب الأرقام فإن فترة حكم الرئيس مبارك هي الأسوأ بالنسبة للأقباط منذ عهد محمد علي، فخلالها تعرض الأقباط لأكبر كم من أحداث العنف التي مست الأرواح و الممتلكات و لم يستحب الرئيس مبارك لأي من مطالب الأقباط التي تحقق لهم المساواة الفعلية.
إن دولة ينص دستورها علي إن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ليس دولة مدنية تحترم عقائد مواطنيها المختلفون في الدين.
إن دولة تنكر حق البهائيين في الوجود، و تطارد الشيعة و العلمانيين و تحاكم مدون يدعي عبد الكريم نبيل سليمان لأنه جهر بآرائه العلمانية ليس دولة مدنية.
إن دولة يمتلئ إعلامها الرسمي ونظامها التعليمي بمواد و تعاليم دينية تحض على كراهية الآخر ليس بدولة مدنية.

والحقيقة أيضا أننا نعيش اليوم في ظل دولة يمكن توصيفها بأنها دولة دينية يحكمها العسكر ويسيطر عليها الفساد. فما يتحدث عنه الحزب الوطني من أنه يدافع عن الدولة المدنية هو في حقيقة الأمر مجرد قشور للدولة المدنية، هامش من الحرية تستفيد منه فئة محدودة، فلا أعتقد أنه في حالة تطبيق الدولة الدينية، و اتخاذ إجراءات رسمية لأسلمة الدولة مثل منع شرب الخمور و إغلاق الحانات و المسارح و فرض الحجاب كزي رسمي... و غيرها من مظاهر الأسلمة لا أعتقد أن المواطن العادي أو المتوسط سيشعر أن ثمة تغير جوهري قد حدث في المجتمع.
نعم مصر الآن دولة دينية فلا مبرر أن نخاف من الدولة الدينية لأننا باختصار نعيش في ظلها فالناس في مصر الآن أصبحت تأكل وتتنفس دين. الثقافة الشعبية المدنية تآكلت وحل محلها ثقافة دينية ذات طابع وهابي.
إن دولة يرتدي أكثر من 90% من المواطنات المسلمات الحجاب ليس بالتأكيد دولة مدنية إن ما نعيشه اليوم في مصر قشور للدولة المدنية وليس دولة مدنية كما يعرفها العالم قشور من الأحزاب وليست أحزاب حقيقية فالنظام الحاكم حاصر الأحزاب وهمشها في حين ترك التيار الديني يتغلغل لأسلمة. المجتمع بل زايد عليه في أسلمة المجتمع سواء من خلال الإعلام أو التعليم.
وإذا كان من يخشي علي الحريات العامة من الدولة الدينية، فالحريات العامة بالفعل مصادرة سواء من خلال دولة المجتمع الدينية التي يكرسها و يدافع عنها نظام مستبد، أو من خلال دولة النظام العسكرية التي يحكم جهاز الأمن قبضته علي رقبة الحريات العامة ويمنع ويمنح ما يريده دون مسالة وبسلطات مطلقة يعطيها له قانون الطوارئ.
ماذا يمكن للأقباط أن يفعل بهم أكثر مما فعل نظام مبارك هل يخشون من إن يستبعدوا من وظائف الولاية العامة التي تحرمها الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين. الواقع يقول إن الأقباط بالفعل خلال فترة حكم مبارك تم استبعادهم أو تهميشه من تولي هذه المناصب.
هل يخاف الأقباط من إن يضيق عليهم في بناء وتجديد الكنائس طبقا للقواعد الإسلامية الخاصة بالبلاد التي فتحت عنوة والبلاد التي فتحت صلحا، الواقع يقول إن نظام مبارك والمجتمع المصري المتاسلم يضيق علي الأقباط في مسالة بناء الكنائس حتى إن مدينة أسيوط ذات الكثافة السكنية القبطية المرتفعة لم يرخص فيها بكنيسة واحدة للأقباط طيلة 50 عاما ولازال يصر الرئيس مبارك علي تطبيق الخط الهمايوني فيما يتعلق ببناء كنائس جديدة حيث يستلزم الحصول علي موافقته هو شخصياً.
هل يخشي الأقباط علي أرواحهم وممتلكاتهم.. أظن أيضا إن دولة الإخوان الدينية لن يكون الوضع فيها أسوأ كثيرا مما لاقاه الأقباط من اعتداءات علي الأرواح والممتلكات في ظل نظام مبارك، فعل مدي فترة حكمه لا تنقطع الحوادث الطائفية، التي ينهب فيها ممتلكات الأقباط ويعتدي علي أرواحهم حتى بلغت الحوادث الطائفية في عهد مبارك رقما قياسيا لم يشهده أي عهد أخر منذ عصر محمد علي.
هل يخشي الأقباط أن لا يتمكنوا من تمثيلهم داخل مجلس الشعب الواقع يقول انه لا يوجد من يمثل الأقباط داخل مجلس الشعب المجلس الحالي لان العضو الوحيد المنتخب و هو يوسف بطرس غالي كل الأقباط يعرفون انه لا يمثلهم بل يمثل الحكومة. وعدد الأقباط الذين وصلوا إلي مجلس الشعب خلال فترة حكم مبارك هو الأقل مقارنة بالعهود السابقة.
هل يخشي الأقباط إن يلقن أبناءهم التعاليم الدينية الإسلامية كارهين ويجبرون علي حفظ آيات قرآنية، الحقيقة إن الإخوان لن يستطيعوا ان يضيفوا كثيرا للمناهج التعليمية، التي تدرس التاريخ الإسلامي وتتعامل مع الحكام الأجانب الذين حكموا مصر منذ دخول العرب علي أنهم حكام شرعيين. بينما يتم تجاهل التاريخ المصري في الحقبة القبطية.. لن يستطيعوا أن يضيفوا إلى مناهج تزرع الفرقة الطائفية وتسمم عقول الأجيال المقبلة.
لما نحن مذعورون من الدولة الدينية ونحن نعيشها بأسوا ما تكون؟ ماذا يمكن إن يفعل أصحاب الدولة الدينية بنا أكثر مما هو حاصل؟ هل يخشي إن يطبقوا الحدود.. الجلد وقطع الرقاب والأيدي..... الحقيقة إن المصريين جميعا خلال حكم مبارك البوليسي تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب داخل أقسام الشرطة والمعتقلات دون أن يرتكبوا جرائم.
هل نخشى أن نتعرض لانتهاكات لحقوق الإنسان والسؤال العكسي هل هناك حقوق إنسان في مصر؟
و بالمناسبة فان تطيق الشريعة لن يشيع الفضيلة فيما يتعلق بالزنا، فكما شرح لي الدكتور عصام العريان- القيادي ألإخواني- إن تطبيق الحد فيما يتعلق بمسالة الزنا سيكون أمر شبه مستحيل، فالشروط التي وضعت لتطبيق هذا الحد صعبه بحيث يصعب توافرها فلن تستطيع الشرطة مثلا اقتحام البيوت لضبط الزناة متلبسين وحتى إذا تصادف واقتحمت الشرطة مكانا فيه اثنين بين الزناة فيجب إن يكونا الاثنين ملتصقين وإلا فلا تكون هناك جريمة.
إذا كان الأمر كذلك فماذا تأخذ ريح الإخوان من بلاط الأقباط
ممن نخشى أو ماذا تخشون عليه أن يضع و أنت تختار بين أن تشرب سم دولة الإخوان الدينية، أو بين أن يطلق علينا نظام مبارك العسكرديني رصاصة، ففي كلتا الحالتين نحن أمام مصير واحد سواء قتلنا بالسم أو بالرصاص، سواء خنق المجتمع بيد من يلبس عمامة رجل الدين أو من يلبس "برية" حاكم عسكري.
فهل يعني ذلك إن يستسلم الأقباط لدولة الإخوان الدينية إذا كانت لا تختلف كثيرا عن دولة مبارك.
الإجابة بالطبع لا، لان من يدعوا إلي ذلك هو كمن يستجبر بالرمداء من النار
الحل هو إن يقول الأقباط وغيرهم ممن يريدون الدولة المدنية -و هم بالمناسبة لازالوا الغالبية من الشعب المصري-: لا للإخوان ولا لنظام مبارك لا للأصل ولا للصورة لا للاستبداد بكل أشكاله، لا للاستبداد الحاكمين بأمر الله و لا للحاكمين بأمر مبارك.
فالحل لبلد أصبح مهدد بأن يدخل مرحلة الفشل هو أن ينتقل من نظام استبدادي قاتل ليس لنظام استبدادي آخر بل لدولة مدنية حقيقة، دولة الحرية و العدل و المساواة، دولة المواطنة التي سيشوه الحزب الوطني معناها.
فالأخوان ليسوا الحل و إنما الحرية هى الحل، الحرية بمعناها الذي يعرفه العالم و ليس الحرية التي نخنقها نحن بثقافتنا التي لم تخرج من ثقافة العصور الوسطي.
إن حلم الدولة المدنية حلم لازال مؤجل و سيبقى مؤجل طالما بقى الإخوان و التيارات التي تخلط الدين بالسياسة لأنهم سيعطون دائما مبرر للعسكر أن يبرروا استبدادهم بالسلطة، و تحارب الحرية.
و بالمناسبة يا له من عجب ما نعيشه هذه الأيام من خلط و تلاعب بالمفاهيم، فالكل أصبح الآن يتحدث عن الديمقراطية و المواطنة و الدولة المدنية و هي المصطلحات التى كانت عدوا لهم جميعا و لكن الخديعة الكبرى أن كل هؤلاء يتحدثون عن هذه المصطلحات بفهمهم الخاص لها، فلا النظام يقصد الدولة المدنية و المواطنة حينما يأكل رؤوسنا ليل نهار بالحديث عنهم، و لا الإخوان يقصدون الديمقراطية، أو الدولة المدنية أو المواطنة أو حقوق الإنسان كما يعرفها أساتذة العلوم السياسية و كما استقر عليها العالم. الأمر لا يعدوا كونه تلاعب بالألفاظ حتى يخلع الذئب ثوب الحمل و يكشف عن وجهه الحقيقي.