Monday, June 18, 2012

انقلاب عسكري ناعم في شهر النكسة




مجدي سمعان

نشر المقال باللغة الإنجليزية قبل جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية في موقع المعهد الأوربي للبحر المتوسط



 
يعرف المصريين شهر يونيو بأنه شهر "النكسة" فهو الشهر الذي هزم فيه الجيش المصري في حرب الأيام الستة أمام اسرئيل. و"نكس" في معاجم اللغة العربية تعني"عودة المرض إلى المريض بعد شفائه" و تعني أيضا: "طأطأ رأسَه ذُلاًّ وانكسارًا." وفي معنى آخر "عاد إلى الضَّلال بعد الرَّشاد". إذا كان نظام عبد الناصر قد سمى"الهزيمة" بلفظ مخفف للتحايل، فإن التعريف الدقيق لكلمة "نكسة" ينطبق على خيارات "الثورة المصرية" خلال شهر يونيو الجاري، فبعدما عاش المصريين نشوة النصر على نظام مبارك، وحلم التحول لدولة تحترم حقوق مواطنيها وتوفر لهم حق الحياة الكريمة، "عيش حرية كرامة إنسانية" نجحت سياسات المؤسسة العسكرية طوال 15 شهرا في جعل الخيارات أمام المصريين كلاها مر، فإما أن يعود نظام الدولة العميقة إلى ممارساته، وإما أن يرحل نظام عسكري شمولي ليأتي نظام ديني-عسكري لا يقل شمولية، وهو ما سيعني إن المصري الذي هتف منتشيا عقب خلع مبارك "إرفع رأسك فوق أنت مصري" سيستمر في النضال من أجل وطن الحرية والعدالة والمساواة.

المفارقة تضع كثير من الأحداث والقرارت المصيرية التي ينتظر المصريين حسمها طوال المرحلة الانتقالية المضطربة في هذا الشهر، وإذا كان أحد تلك الأحداث التي شهدها هذا الشهر، وهو الحكم على الرئيس السابق بالسجن مدى الحياة وتبرئة نجليه ومساعدو وزير الداخلية قد اعتبر على نطاق واسع بأنه "نكسة" فالأحداث المصيرية الأخرى وهي انتخاب رئيس جمهورية جديدة، والاستقرار على اللجنة التأسيسة للدستور ينظر إليها أيضا على أنها ستكون بمثابة "نكسة" جديدة.

أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في الفترة من 23 إلى 24مايو الماضي، عن وصول محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، والفريق أحمد شفيق، المنتمي للمؤسسة العسكرية لجولة الإعادة، وهو يضع البلاد أمام خيارين، وهو تحويل الفزاعة التي طالما استخدمها مبارك إلى حقيقة، أو استخدام الفزاعة مرة أخرى لوصول شخصية عسكرية أخرى للحكم.
تقييم لنتائج الانتخابات والعوامل التي حسمتها:
في المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب اعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية وصف المرشح عبد المنعم أبو الفتوح، الذي حل في المركز الرابع بأنها "هذه ليست الانتخابات النزيهة التي قامت الثورة من أجلها" يشكك الكثيرين في نزاهة الانتخابات، وإنه تم التلاعب في نتيجتها لصالح شفيق.
يشعر القطاع الأكبر من المصريين إنه لم يكن ممثلا في الانتخابات منذ البداية، فالتيار الليبرالي لم يكن ممثلا بعد انسحاب الدكتور محمد البرادعي، واستبعاد الدكتور أيمن نور. كما أن التيار السلفي لم يكن ممثلا بعد استبعاد حازم صلاح أبو اسماعيل، حتى التيار الشعبي الذي يتبنى مبادئ الدولة المركزية المصرية والذي كان متحمسا لترشح عمر سليمان لم يكن متحمسا لشفيق. وإذا أضفنا عدم الثقة في الاجراءات فهذا يفسر انخفاض نسبة المشاركة من حوالي 70% في الانتخابات البرلمانية لنحو 46%.
جاءت نتيجة الانتخابات بمرشحين لا يعبران عن أهداف الثورة، فكلا الخيارين لغالبية المصريين ينطوي على "نكسة" لقيمة أو أكثر سعي المصريين لها. كما يقول الكاتب فهمي هويدي في جريدة الشروق: " الأول (مرسي) يعدنا بمستقبل غامض أما الثانى (شفيق) فيستعيد ماضيا كئيبا." أو كما ينقل عن الشيخ جمال قطب، مسئول الإفتاء السابق بالأزهر "إن خيارنا صار بين تعاطى دواء لم تستطع الشركة المنتجة الترويج له أو إقناع الناس بفاعليته وجدواه، وبين دواء مسرطن يفتك بكل من يتعاطاه ولا أمل فى نجاة من يبتلعه."
واللافت، إن المرشحيين دخلا سباق الرئاسة متأخريين، فجماعة الإخوان المسلمين أعلنت قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الدفع بمرسي، لكن عنصرا المال والتنظيم لعبا الدور الأهم في ترجيح كفة المرشحان اللذان يخوضان جولة الاعادة، فمحمد مرسي، مع عدم امتلاكه الشعبية الجماهيرية كشخص، لكن القدرات التنظيمية لجماعة الاخوان المسلمين في توجيه أصوات الناخبين من خلال الخدمات التي تقدمها، ساعدته على تصدر الانتخابات. وفي نفس الوقت فقد تم توظيف شبكات الدولة العميقة المتمثلة في قواعد الحزب الوطني المنحل، وجماعة المصالح المرتبطة بالدولة مثل كبار العائلات ورجال الأعمال، أضيف لهم قطاع من الأقباط قلق من وصول التيار الإسلامي للسلطة.
وإذا كان عنصرا المال والتنظيم والدعاية قد لعبا دورا مهما إلا أن ذلك لا ينفي أن كلا من مرسي وشفيق نجحا في مخاطبة هموم ومخاوف لدي الناخبين، فشفيق ركز على إعادة الأمن والإستقرار الإقتصادي، بينما كانت رسائل مرسي واضحة في تطبيق الشريعة الإسلامية.

العوامل التي ستحسم الجولة الثانية:
خلال حديث تلفزيوني مطول امتد حتى الساعة الرابعة من فجر الثلاثاء 5 يونيو على قناة سي بي سي كان واضحا أن شفيق يوجه رسائل محددة لقطاعات معينة من الناخبين، فقد خاطب المخاوف والمطالب لدى الأقباط والنوبين وبدو سيناء، وهي الأقليات التي عانت كثيرا في ظل حكم مبارك، كان أنه كان واضحا أنه يقدم خطابا يعد بإقامة دولة مدنية علمانية، مع استمرار تأكيده على إعادة الأمن للبلاد.
إذا كان نظام مبارك قد استخدم جماعة الإخوان المسلمين كفزاعة، فالمجلس العسكري الحاكم، والمرشح التابع له مستمران في اسستخدام الإخوان كفزاعة، فقد ساهم المجلس العسكري في تقوية التيارات الإسلامية بعد الانتفاضة، عن طريق غض البصر عن مصادر تمويلها الضخمة والتجاوزات التي ارتكبتها خلال الانتخابات البرلمانية، ومن جهة أخرى استفاد من تحالفه معها في شق صف القوى الثورية وإضعافها. والمفارقة المثيرة للسخرية هي أن الإخوان تستخدم نفس أسلوب التخويف من عودة النظام القديم في حالة وصول شفيق للحكم.
كما تحاول جماعة الإخوان المسلمين استغلال الاحتجاجات التي خرجت عقب الأحكام الصادرة في قضية الرئيس مبارك وقيادات وزارة الداخلية للترويج لمرشحها باعتباره المرشح المعبر عن الثورة، لكن شفيق رد على ذلك خلال أحد اللقاءات التلفزيونية متهما الجماعة بأنها كانت أيضا جزءا من النظام القديم مدللا على ذلك بأنهم عقدوا صفقات مع النظام ولعبوا دور المعارضة له.

المؤكد إنه في حالة فوز أي من المرشحين فلن يهدأ الشارع السياسي وستستمر الاحتجاجات بدرجات متفاوتة. لكن هذه المرة فالاحتجاجات سيكون لها قادة حيث وضعت نتيجة الانتخابات المرشحان اللذان جاءا في المرتية الثالثة والمرتبة الرابعة، صباحي وأبو الفتوح كقيادات ميدانية للشارع. ويتوقع أن يلعبا إلى جانب الدكتور محمد البرادعي دورا في توجيه وقيادة الشارع الثوري.
إذا كان مبارك برر الاستمرار في سياساته السلطوية بأن عملية التحول الديمقراطي ينبغي أن تتم بإسلوب الخطوات التدريجية، فبينما كانت الخطوات التدريجية التي اتخذها نظام مبارك كان بمثابة سير في المحل، فإن الإسلاميين كانوا يتخذون خطوات تدريجية حقيقية نحو أسلمة المجتمع، وكان النظام يساعدهم في ذلك من خلال الإعلام والتعليم.والمفارقة أن الإخوان يتحدثون الآن عن خطوات متدرجة، ليس لتحرير المجتمع، وإنما نحو استمرار أسلمته وصولا لتطبيق كامل للشريعة الإسلامية بشكل لا يؤدي إلى رد فعل عكسي.

قبل اسبوعين من الانتخابات الرئاسية طرح حزب الحرية والعدالة مشروع قانون لزيادة رواتب العسكريين بنسبة 400%، كما أجازت قانون القضاء العسكري الذي يعطي حصانة للعسكريين، وينيط بالمحاكم العسكرية نظر الدعاوي التي طرفها عسكريين، ويمكن اعتبار ذلك بمثابة رشوة انتخابية يقدمها الإخوان للجيش لضمان قبوله بنتيجة الانتخابات في حال ما أتت بمرسي.
سيكون من نتاج فوز مرسي استمرار منهج أسلمت المجتمع واستخدام الدين لضرب الحريات العامة أملا في السيطرة على الحركات الشبابية المتنامية المطالبة بالديمقراطية. وسيؤدي إلأى هيمنة الإخوان على المؤسسة التنفيذية، بعد هيمنتهم على المؤسسة التشريعية. يدرك الإخوان إنهم إن لم يستغلوا قوتهم في وقت ضعف المنافسين، فسؤدي مناخ الحرية إلى فقدانهم هذه الميزة ومن ثم قد تنحسر عنهم الأضواء.

أما وصول شفيق للسلطة فسيكون بمثابة فرصة للمؤسسة العسكرية لإعادة ترتيب أوراقها، وضمان استمرار المصالح التي بنيت خلال حقبة مبارك، مع استمرار هيمنة العسكريين على المناصب القيادية، أما انتخاب مرسي سيعطي





No comments: