Tuesday, August 20, 2013

المصريون يرفضون موت ثورتهم أو تحولها لفاشية إسلامية







هذا المقال كتب في الأسبوع الأول من ديسمبر 2013 في وقت المظاهرات التي خرجت للاحتجاج على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المعزول محمد مرسي، وكان من المفترض أن ينشر في موقع "Egypt Source" التابع للمجلس الأطلسي بواشنطن، لكن لم يتم نشره في حينه بسبب تدخل محررة الموقع بتحريف بعض مما جاء بالمقال.

مجدي سمعان

عقلية حماس التي قادت إلى تقسيم فلسطين بين فتح وحماس هي نفسها التي تسيطر على طريقة إدارة الإخوان المسلمين لمصر من خلال الرئيس محمد مرسي، لكن مصر موحدة أكثر من أي وقت ضد فصيل حاكم، فالإدارة السيئة والعقلية الاستبدادية في إدارة الحوار السياسي دفع إلى شعور المصريين بالخطر والخروج مرة أخرى في انتفاضة جديدة لإعادة تسمية تحركهم بالثورة.

في يوم 22 نوفمبر الماضي أصدر مرسي اعلانا دستوريا حصن بموجبه الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى من الحل، وحصن قراراته ضد الطعن قضائيا. تسبب الإعلان في تفجير حالة من الغضب بين صفوف القوى السياسية غير الإسلامية انضم لها أطياف من الشعب المصري خرجت لأول مرة للتظاهر.

 الشعور بالخطر دفع أيضا المعارضة المدنية، المعروف عنها الإنقسام والتشرذم، إلى توحيد صفوفها أخيرا تحت قيادة موحدة في "جبهة الانقاذ الوطني" بقيادة الدكتور محمد البرادعي.  

يُظهر المصريون إصرارا على عدم سقوط البلاد في براثن الفاشية الإسلامية التي تميز بين المواطنين على اساس الدين والجنس. فكما قالت شرين عادل، مهندسة، نزلت مع أسرتها للمشاركة في المظاهرة السلمية التي حاصرت قصر الرئاسة يوم الثلاثاء الماضي: "خرجت اليوم للاحتجاج لأننا نريد أن تكون مصر بلد جميع المصريين وليس بلد فصيل واحد يفرض وجهة نظره على الجميع"
في اليوم التالي حشدت جماعة الإخوان المسلمين آلاف من أعضائها وأعضاء الجماعات الإسلامية الأخرى قاموا بفض اعتصام القوى المدنية بالقوة والدخول في حرب شوارع حول القصر سقط خلالها 7 قتلي ومئات المصابين، وهو ما سحب ما تبقى من التعاطف الشعبي لحكم الرئيس وجماعته.

غالبية من تحدثت معهم من المواطنين العاديين من كافة الطبقات والأعمار يبدون غضبا شديدا من سياسات وقرارات مرسي المرتبكة، التي لا تقنعهم في قدرته على قيادة مرحلة انتقالية أو قيادة البلاد للخروج من أزماتها. قال لي سائق تاكسي من محافظة الفيوم التي كانت من أعلى المحافظات التي صوتت لصالح مرسي في الانتخابات الرئاسية، حين قلت له إن البعض يقول أنه يجب إعطاء الرئيس فرصة، "الجواب بيبان من عنوانه، هل نعطيه فرصة حتى تنهار البلاد أكثر من ذلك"
وزاد من حالة السخط الإعلان الدستوري، ثم الإصرار على تمرير الدستور في غياب غالبية أطياف المجتمع من القوى غير الإسلامية، وانتهاك استقلال القضاة بشكل غير مسبوق وحصار المحكمة الدستورية العليا لمنع صدور حكما كان متوقعا بحل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
أضيف هذا لحالة القلق الناتجة عن عدم الشفافية في إدارة شئون البلاد ودور جماعة الإخوان المسلمين غير المسجلة قانونيا، والتي تعمل دون رقابة، في توجيه الرئيس. وفي حين كانت هناك محاولات لتصوير دور مرسي في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين اسرائيل وحماس، فإن العلاقة المريبة بين جماعة الإخوان المسلمين وفرعها في غزة (حماس) تثير كثير من المخاوف خاصة في ظل الوضع الملتبس في سيناء التي أصبحت بؤرة للإرهابيين.

هناك شعورا بأن النظام لم يسقط في ظل استمرار الخطوط العريضة للنظام خارجيا خاصة في العلاقة مع الولايات المتحدة، وداخليا بتسهيل استمرار مصالح المؤسسة العسكرية، واستمرار نفس السياسيات في إدارة شئون البلاد.

وبينما تشهد مصر مظاهرات في طول البلاد وعرضها، غالبيتها يخرج بشكل عفوي، لا يتمكن الإسلاميين من تنظيم سوى مظاهرة أو مظاهرتيين كبيرتين كما فعلوا يوم السبت 1 ديسمبر، ويتم تجميع المشاركين من مختلف محافظات الجمهورية، ويكون المشاركين عادة من أعضاء التنظيمات الإسلامية.

ويبدو مرسي محاصرا ليس فقط في قصره، وإنما أيضا في توالي فقدانه السيطرة على البلاد وازدياد زخم مطالب الشارع باسقاطه لحنثه بالقسم.
فاللمرة الأولى تقف مؤسسات الدولة العميقة في موقف مناوئ للرئيس، فحتى في اسوأ أيام مبارك قبل انهيار حكمه لم يخسر تأييد أعمدة الدولة الرئيسية، فقد أعلن القضاة إضرابهم عن العمل، وعلقت المحكمة الدستورية عملها للمرة الأولى.
وخسر الرئيس وجماعته تأييد أقرب حلفائهم، فقد توالت الاستقالات من قبل مستشاروا الرئيس
فقد استقال رفيق حبيب من منصبه كمستشار للرئيس ونائب لرئيس حزب الحرية والعدالة، كما استقال 7 من مستشاري الرئيس. يأتي هذا في الوقت الذي تندلع فيه احتجاجات داحل المؤسسات الإعلامية الحكومية ضد التضيق على حرية التعبير وتسخير إعلام الدولة لخدمة النظام كما كان يحدث أيام مبارك، فقد أعلن رئيس التليفزيون الحكومي استقالته احتجاجا على سياسيات الرئيس. وأصدر العاملون بالتلفزيون الحكومي بيانا أكدوا فيه رفضهم لتسخير التلفزيون لخدمة الرئيس. وفي نفس الوقت تظاهر محررو جريدة الأهرام، أكبر الجرائد الحكومية احتجاجا على التغطية الإعلامية المنحازة للاعتداء على المتظاهرين في محيط قصر الاتحادية من قبل مليشيات الإخوان.
وأصدر أكثر من مائتين من الدبلوماسيين المصريين بيانا رفضوا فيه الإشراف على الإستفتاء على الدستور.
ولا يقف مع الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين سوي التيارات الإسلامية الأكثر تشددا، مثل حزب النور السلفي وحزب البناء والتنمية الزراع السياسي للجماعة الإسلامية.
 ويبدو من حلفاء مرسي والإخوان إنهم اختاروا السير في الطريق الأكثر تشددا الداعي لإقامة الدولة الإسلامية، وعدم الموائمة مع التيارات السياسية الأخرى، كما اعتادت الجماعة في الماضي، لكن من غير المحتمل أن ينجح الإسلاميين في فرض مشروع الدولة الدينية فهناك جيل من الشباب متمسك بنجاح الثورة التي بدأها قبل عامين طلبا للديمقراطية، حتى في ظل تهديد بعض الجماعات الإسلامية باستخدام العنف في حالة اسقاط الرئيس، فهناك في مصر الآن شعب مستعد لدفع ثمن الحرية.


No comments: