Wednesday, October 09, 2013

قبل أن يصل توظيف الإسلاميين إلى الاقتتال وعودة الحكم العسكري




مجدي سمعان

بعد ثورة يناير أعلنت غالبية التيارات الإسلامية إنها ستندمج في العملية السياسية. وكانت قد نبذت العنف ضد الدولة والمجتمع في سنوات سابقة. العنف الذي كانت تشهده مصر بعد الإطاحة بمرسي وحتى فض اعتصام رابعة يمكن وصفه بأنه عنف سياسي، كان دعاية النظام تسميه إرهابا، وهو وصف غير دقيق، ظلت الأبواق تردده من ناحية وأجهزة الدولة العسكرية تعمل على جر البلاد إليه من ناحية أخرى عبر ارتكاب مزيد من المجازر،  غير أن الأسبوع الماضي قد شهد زيادة في وتيرة أعمال العنف الموجهة ضد الجيش والشرطة من قبل إسلاميين، بما يمكن وصفه بأنه مؤشر على تحول الصراع السياسي في البلاد مرحلة جديدة، تتراوح فيها التحليلات ما بين المتفاءلة التي تصفها بأنها موجة جديدة من الإرهاب، ردا على جرائم قيادات الجيش، وما بين تحليلات أكثر تشاؤم ترى أن الأمر سيتجاوز عنف الجماعات الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات.

وبغض النظر عن حجم العنف المقبلة عليه البلاد، فإن النتيجة الأكيدة هي إنه في حال استمراره فإن انتقال البلاد إلى حكم مدني سيصبح في حكم المستحيل. كيف وصلنا إلى هذا؟ سأحاول أن ألقي نظرة سريعة على توظيف العسكر للإسلاميين، لعل هذه السطور تساهم في تقديم وجهة نظر مختلفة تتجاوز استقطاب من يؤيدون الجيش ومن يؤيدون عودة مرسي.

قبل الانتخابات الرئاسية العام الماضي بدأت الطوائف المسيحية حوارا مع الإخوان وزيارات متبادلة. اعترضت على الأمر وقلت لهم أنتم تمهدون لحكم الإخوان بتعليمات من الأمن. اتفق معي أحد القيادات في الكنيسة الإنجيلية أن الأمر يتم بتعليمات من الأمن. وفي نفس التوقيت بدأ بعض أذرع الأجهزة الأمنية في التمهيد، وهم من أطلق عليهم عاصري الليمون، بتصوير الإخوان على أنهم أفضل من عودة النظام ممثل في شفيق. والغريب أن هؤلاء وأولئك عادوا وسوقوا لأن عودة العسكر أفضل من الإخوان، وفي كلتا الحالتين هناك من يتبعون إما عن عدم فهم لعدم وجود وسائل إعلامية مستقلة تقدم تحيليلات سياسية عميقة لشرح ما يحدث، أو بسوء نية لمن تضرروا من الثورة.

في نفس التوقيت كانت الولايات المتحدة وحلفائها داخل الجيش يمهدون لحكم الإخوان. في ندوة عقدت في واشنطن صرحت هيلاري كيلنتون أنها لا تمانع من وصول الإخوان للحكم، وهي تصريحات كررها مساعدوا وزيرة الخارجية الأمريكية. كان الإخوان قد أعلنوا سابقا أنهم لا ينون الترشح، وكانوا يدركون أن وصولهم للحكم ليس في مصلحة البلاد، لكن قنوات الاتصال مع الإخوان، سواء من طرف الأمريكان أو الأجهزة السرية نجحت في عقد الصفقة. قال ياسر برهامي قبل الانتخابات الرئاسية أن قيادي أخواني كشف له إنهم "خلصوا مع المجلس العسكري" كشف عزازي علي عزازي، محافظ الشرقية، أبان حكم المجلس العسكري، في حوار مع جريدة الوطن، أن الفريق سامي عنان ألمح له أن وصول الإخوان للحكم كانت رغبة أمريكية. 

أُخرج سيناريو الانتخابات الرئاسية ليختار المصريون ما بين النظام القديم ممثل في شفيق أوالإخوان المسلمين. أو كما كتب الكثيرون، ما بين سيئ وأسوأ. كان شفيق من يلعب دور الأسوأ في ذلك الوقت بينما مرسي يمثل السيئ، قبل أن يتم تعكس الصورة الآن! لايزال كثير من المصريين يعتقد أن شفيق هو الفائز في الانتخابات، يدعم هذا الاعتقاد كثير من المعلومات التي كشف عنها لاحقا مثل طباعة بطاقات إقتراع في المطابع الأميرية لصالح مرسي. شاركت أجهزة الدولة العسكرية في التمهيد لمجئ الإخوان، غضت الطرف عن تزوير الانتخابات، بل وساهمت فيها. ثم بدأت جني الثمار مستغلة سيطرتها الكاملة على الإعلام وأجهزة الأمن والبيروقراطية والإقتصاد. تم استغلال عدم وجود رؤية للإخوان في الحكم من ناحية ومن ناحية أخرى تعنتهم في تلبية مطالب التحول الديمقراطي، عن رغبة حقيقية في تنفيذ مشروعهم لبناء دولة دينية أو استكمالا لصفقة تمكينهم من الحكم. لا نعلم بعد! نجحت أجهزة الدولة العسكرية واذرعها في الإعلام في توظيف كل ذلك لاثارة فزع هيستيري، مبرر، لدي شرائح كبيرة من المصريين من تحول مصر لإمارة طلبانية، انعكس ذلك في خروج ملايين غير مسبوقة للشارع.

تم استغلال فزع المصريين من الإخوان للحشد لإسقاط مرسي. أحد الأشخاص الذين شاركوا في تأسيس حملة تمرد كشف لي إنه انسحب من الحركة بعد أسبوعين لشكه في صلتها بالمخابرات. كانت المطالب تتمثل في العودة إلى المسار الديمقراطي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لم يكن من بين المطالب عودة الحكم العسكري. استمر توظيف التناقض ما بين رؤية الإخوان المشوشة للنظام الديمقراطي، وعدم التسليم بفشل مرسي. لم يكن من الممكن تبرير عودة حاكم عسكري بدون تحويل الصراع السياسي إلى صراع دموي بقتل عدد كبير من الإسلاميين. خلال تغطيتي للمواجهات الدموية التي سبقت رابعة سواء في بين السريات أو في ميدان الجيزة وغيرها تبين لي أن هناك عناصر تابعة للأمن كانت تستدرج الإخوان إلى العنف، وبدورهم كان الإخوان متعاونون في استخدام العنف. كانت نتيجة خلق "تار" مع الإسلاميين هو أن الحديث عن الديمقراطية ورئيس مدني سيصبح ترف مثقفين!

قد يكون المخرج الوحيد من انزلاق البلاد إلى العنف وعودة الحكم العسكري هو تحرك من قبل الإسلاميين والعلمانيين بالتوازي، فعلي الإسلاميين التوقف عن المطالبة بعودة مرسي، والاعتذار للشعب المصري عن الإخطاء التي ارتكبوها أثناء الحكم، ومراجعة رؤيتهم للديمقراطية لتصبح متسقة مع الأنظمة السياسية الحديثة، ومن ناحية أخرى، عودة التيار الثوري العلماني إلى رشده والوقوف ضد إطلاق يد القيادات العسكرية في جر البلاد إلى عنف قد لا تتحمله. ثم البدء في حوار للاتفاق على قواعد اللعبة السياسية، يضمن تداول سلمي للسلطة وإطلاق الحريات بكافة أشكالها، دون قيود من التيار الإسلامي.


هذه المهمة ليسj منوطة بالموجة الأولي من اللاعبين السياسيين، سواء الإسلاميين أو العلمانيين، الذين تم التلاعب بهم، واستخدامهم كأدوات من قبل النظام العسكري، كما سبق أن أوضحنا، وإنما من خلال الجيل الجديد ممن انخرطوا في السياسة خلال مرحلة ما بعد يناير. فمصر الآن في مفترق طرق، ومن يقومون على إدارتها الآن لا يرون خطورة تصرفاتهم بقدر رغبتهم في الحفاظ على مصالح نظام خرب مصر.

 

 

 

No comments: