Wednesday, April 09, 2014

الأب فرنسيس: أحب الشعب السوري وكما كنت معه في خيره أريد مشاركته آلامه

 
 
 
 
 
 
في 30 يناير الماضي كنت أحاول الوصول إلى الأب اليسوعي فرنسيس فاندرلخت الموجود بدير الأباء اليسوعيين بالمنطقة المحاصرة بحمص القديمة، وكان صحفيون كثيرون يحاولون الوصول إليه بعد أن جذبت الرسائل التي وجهها من داخل الحصار للفاتيكان والمجتمع الدولي انتباه الصحافة الدولية، لكن لم يستطيع أحد الوصول إليه، كانت المفاجأة بالنسبة لي أني من المحاولة الأولى نجحت في الوصول إليه عن طريق أحد الأشخاص الذين تصادف أنه كان بصحبته. أجريت الحوار معه عبر سكايب لمدة تقارب 40 دقيقة، نشرنا جزء منه في التقرير الذي أعددته بالإشتراك مع الزميلة روث شيرلوك، مراسلة الديلي تليجراف في بيروت.
اثمرت استغاثات الأب فرنسيس عن التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري بإجلاء جزء من المدنيين المحاصرين وادخال بعض المساعدات، لكنه رفض مجددا الخروج وبقى مع حوالي 20 مسيحيا يخدمهم مع المسلمين الأخرين المحاصرين. واليوم بعد أن قتل الأب فرنسيس غدرا على يد مسلح ملثم، أعيد نشر نص الحوار باللغة العربية.
حوار أجراه مجدي سمعان
 
كيف هو الوضع الآن في حمص المحاصرة؟
الوضع صعب جدا، كنا نقدم قبل ذلك أكثر بكثير، كان معنا أرز، برغل، عدس... شوية بشوية كل شئ ينفذ.
أعمل كل جهدي لتوفير قليل من الطعام للحالات الصعبة، وخاصة المعاقين. هناك محسنين من المسلمين يقدمون لنا كل أسبوع 4 كيلو دقيق، نساعد بهم 30 شخص من الحالات الأكثر احتياجا من المصابين والمعاقين وكبار السن، الأشخاص الذين لا يستطيعون الخروج من المنزل سواء مسيحيين أو مسلمين نقدم لهم نصف رغيف في اليوم، مع شوية زعتر وزيتون حتى يتمكنون بالبقاء على قيد الحياة. أصعب شيئ أن لا تستطيع أن تعطي الناس في وقت الشدة.
الأطفال في مشكلة كبيرة، خاصة الأطفال الرضع، أحيانا الأم لا تستطيع أن ترضع الطفل،لأنها ضعيفة بسبب نقص الغذاء نبحث في كل مكان على حليب، نخلط الحليب بالماء ليكفي. أما الأطفال الأكبر فهم يلعبون في الشارع، يحتاجون أكل لكن لا يجدون ما يسد رمقهم. لكنهم يحبون الحياة.
·        لماذا اخترت البقاء في حمص رغم الحصار؟
هذا مكاني لماذا أغادره؟! هناك 66 مسيحيا في حمص، ولا يوجد خوري لخدمتهم. ثم أنا رئيس الطائفة هنا، وهناك قاعات ومكتبة محلية. كان هناك 10 كنائس في المنطقة المحاصرة، في مساحة كيلو متر مربع، بها 8 طوائف، كلهم ذهبوا، وجدت نفسي وحدي مع هؤلاء، وقررت البقاء لخدمتهم، وأنا مسئول عن المسيحيين جميعا، عن الأرثوذكس وعن الكاثوليك، لا أحد يفرق بين الطوائف، اختفت الطائفية. كان هناك 60 ألف مسيحي، وما تبقى منهم الآن 66 فقط. قررت أن أبقى حتى يقال أن كان هناك مسيحيين هنا.
كما أني سعيد بعلاقتي بالمسلمين والمسؤلين، لدينا علاقة يومية.
أنا تلقيت كثيرا في سوريا من هذا الشعب، كرم الشام، وإذا اليوم هذا الشعب يتعذب أود أن اتضامن معه في آلامه، واستقبل ألمهم بقلب مفتوح، وأقدم نوع من التعزية، مثلما كنت مع هذا الشعب بخيره أريد أن أكون معه بألمه أيضا. أنا أحب الشعب السوري، أحب أن أشاركهم في كل ظروفهم.
أيضا هناك أشياء كثيرة في البيت، أيقونات من كنائس أخرى، وأنا مسئول عنها، وأحب أن أكون أمين على هذه الأمانة.
 
·        منذ متى تعيش في سوريا؟
جئت لسوريا عام 1964، جئت أولا إلى لبنان ثم لسوريا، 50 سنة مضت بهذا العالم، وعملي هنا بالمضمار الإنساني النفسي الاجتماعي الروحي. أنا حاصل على دكتوراه من فرنسا كاختصاصي تحليل نفسي، وأنا أخدم في سوريا انطلاقا من اختصاصي.
استقبلت كثير من الناس لديهم مشاكل نفسية، وهذا سمح لي أن أدخل في أغوار النفسية السورية وأشاركهم في مشاكلهم.
·        كيف أثرت ظروف الحرب والحصار على السوريين؟
بالتأكيد هذه الظروف تؤثر على الأولاد وعلى الكبار، كل واحد يتأثر بشيئ، ولا نستطيع أن نعمم، ملاحظ أن هناك كثير من خيبة الأمل، لكن هناك صبر كبير كصفة من صفات الشعب السوري. أمدح الشعب السوري على صبرهم الألهي، يتحملون الكثير على حساب الأمل والحب لسوريا، وعلى حساب العلاقات العائلية، نرى الأولاد لا يعيشون بفرح ويتعذبون، يكبرون أسرع من عمرهم، يتماهون مع عالم الكبار لعدم وجود مدارس ويقلدون الكبار بدلا من أن يتواصلوا مع عالم الأولاد، وهذا غير صحي نفسيا، لأن الطفل يجب أن يعيش عمره.
 
·        هل هناك حالات محددة أثرت فيك؟
تأثرت من ألم الناس، لكن أنا لا يجب أن اتماهى بألم الناس. أنا بدي أقدم شيئ من التعزية لهذا الألم، لا ألم لهذا الألم. أحاول أن أكون أخ لهم، وإذا يريدون أن يتحدثوا عن مشاكلهم يجدوا أن هناك قلب مفتوح يصغي. هناك أشخاص بهذه الظروف يصير معهم مرض نفسي عصابي، وساوس، انهيار عصبي، وهناك أشخاص مصابين بمرض ذهاني وانفصام وبارانويا، وفي هذه الظروف الوضع يصير صعب، نحاول أن نساعدهم بدواء لكي يزيل الأصوات من رأسهم. لكن لا أريد أن أحلل المشاكل، لأنه لا يوجد مخرج لها، وتحليلها يجعلها تكبر، أنا فقط أصغي لهم وأساعدهم، ببعض الأكل، أمشي معهم، استقبلهم في بيتي، هناك أناس يتعذبون من العزلة.
 
·        ماذا يمكن للمجتمع الدولي أن يفعل؟
نخشى أن المجتمع الدولي لا يشعر بنا، تخلوا عنا، فقط نريدهم أن يفكروا في معاناتنا، هم يفكرون في مصالحهم، وهذه هي السياسة، لكن نريدهم أن يعرفوا أن الشعب السوري يتعذب، إذا راح يتحدثون عن حقوق الإنسان، نطلب من الكبار أن يعتبروا الإنسان هنا مثلما يعتبروا الإنسان في أوربا، كلنا انسان، لا يفكرون أنهم أحسن منا، حقنا أن نكون بشر مثلهم، من منطلق التآخي والإخوة. نحن بحاجة إلى أن الناس يتصلوا بنا ليعرفوا كيف نعيش المشاكل. وأطلب من الآخرين الذين يهتموا بنا سياسيا وإنسانيا ألا يهتموا عن واجب، ولكن يجربوا أن يدخلوا أكثر إلى مشاكلنا، وإذ كانوا يبحثون عن مصالحهم يهتموا بمعرفة ما يصير هنا، ثم ينظرون كيف يساعدونا انطلاقا من تحليل الواقع.
أنا اهتم بالموضوع الإنساني وليس السياسي، أحب أن أساعد الكل، أنا أبحث عن الوحدة بين الكل، لذلك يجب أن ننفتح على الكل، سوريا المستقبل في حاجة إلى خير السوريين.

1 comment:

mekho matrix said...

مشكور على مجهودك




لعبة