Friday, August 03, 2012

التطاول الإخواني




"التطاول على الرئيس" هكذا يصف الإخوان المسلمون الهجوم الذي يتعرض له الرئيس محمد مرسي من قبل بعض وسائل الإعلام. وللحقيقة فإن بعض مما ينشر أو يذاع يفتقد إلى المهنية، لكن ما يخفى خلف حملة التهديد والوعيد الإخواني أكبر مما يظهر فهو يظهر عقلية استبدادية محافظة لها تعريفها الخاص لكلمة حرية.

وقد هدد مرسي "المتطاولون" قائلا: " أقول للذين يتطاولون أو يجرحون الناس وهم عدد قليل جدا وهم من أبناء مصر ... لا يغرنكم حلم الحليم إننا يمكن بالقانون .. أن نردع ولكنني وبكل الحب أفضل علي ذلك ...العودة الكريمة إلي الحق."

من معاني كلمة "تطاول" في قواميس اللغة العربية: "الاستطالة على الناس إذا هو رفع رأسه ورأي أن له فضلا في القدر" ويقال: "طال عليه واستطال وتطاول إذا علاه وترفع عليه" وأنت تصف أحدهم بأنه تطاول عليك إذا رأيت أنك أعلى منه شأنا وأرفع مكانة، لكن في ثقافة المساواة فلا يوجد مقابل لهذا المعنى. ليس لمرسي فضلا في القدر على أحد فهو مواطن منحت له صلاحيات رئيس جمهورية، وإن كان هناك من يتطاول لأنه شعر، كذبا، أن له "فضلا في القدر" فهم الإخوان.  كنا نهاجم مبارك نفسه، وبعد أن فشلت ترسانة القوانين في حمايته لفشل حكمه، سلم بـ"تطاولنا" وقال عبارته الشهيرة "خليهم يتسلوا" فهل لا يسمح مرسي بما سمح به مبارك. مبارك كان ديكتاتورا بما في يده من سلاح، بينما مرسي مشروع ديكتاتور بما في رأسه من أفكار؟!

درج الإخوان على استعمال كلمة "تطاول" وكانت الكلمة تستخدم غالبا لوصف أي انتقاد يتعرض له الدين الإسلامي. عملت محررا برلمانيا لفترات متقطعة خلال مجلس شعب 2005 - 2010 وهو المجلس الذي حصل فيه الإخوان على 20% من المقاعد بإتفاق مع نظام مبارك. كان أكثر ما يثير غضب نواب الإخوان هو "التطاول" على الدين الإسلامي وهو ما كان يحدث عادة في في بلاد يمارس مواطنوها حرية التعبير المكفولة لهم بالقانون والدستور. وبينما كانت السفارات المصرية، برعاية نظام مبارك، تلعب دورا تحريضيا في تلك الدول مثل الدنمارك وهولندا وسويسرا من خلف الستار كانت جماعة الإخوان المسلمين تشحن داخليا للتصدي للتطاول على المقدسات. وفي الوقت الذي كان فيه بعض قيادات الإخوان يتعرضون للنقد في وسائل الإعلام لم يكن الإخوان يهددون "المتطاولون" على قياداتهم فقد كانوا في مرحلة "الاستضعاف" التي تقضي بالتغاضي عن الاساءات التي قد يتعرض لها الأشخاص، لكن الآن هي المرة الأولى التي تستخدم فيها كلمة "تطاول" مقرونة بشخص بعد أن كانت تقرن بالمقدسات، وهذا أول فصل من معركة حرية التعبير التي ستكون محور الصراع مع الإسلاميين.

من واقع معلوماتي البسيطة فإن المسؤلية القانونية للتجاوزات المتعلقة بحرية التعبير تتناسب طرديا مع مقدار السلطة التي يتمتع بها الشخص حتى تكاد أن تتلاشى فيما يتعلق بالنقد الموجه لرئيس الدولة، فمثلا قد يدخل الشخص تحت المسئولية القانونية إذا وصف شخصا عاديا بأنه "أحمق" أو "فاسد" ... ألخ لكن هذه المسئولية تنعدم في حالة ما إذا كان هذا الوصف موجه إلى رئيس الجمهورية، فالديمقراطيات الحديثة لا تعطي للرئيس أي حصانة من النقد، فالرئيس هو موظف اختاره الشعب، وليس فرعونا أو حاكما بأمر الله.

ومن قال إن مبارك كان يستخدم غير القانون في معاقبة "المتطاولون" عليه، فقانون العقوبات زاخر بترسانة من القوانين التي تقييد حرية التعبير، وهي القوانين التي لم يقترب منها مجلس الشعب الإخواني بالرغم من أنها كان من المفترض أن تكون على رأس أولويات برلمان ما بعد الثورة، منها 11 قانون تعاقب الصحفيين بالحبس، ومن بين تلك القوانين قوانين تخص ما يسمي بالإساءة إلى الأديان- والأديان هنا تقتصر على الدين الإسلامي فلم يعاقب أحد قط لإساءته لأي من الأديان الأخرى- وقوانين تعطي حصانة خاصة لرئيس الجمهورية، وقد عوقب المدون كريم عامر بتلك القوانين بتهمة الإساءة إلى الأديان وإهانة رئيس الجمهورية وحكم عليه بالحبس لمدة 4 سنوات عام 2007. والآن يستخدم الإخوان ترسانة قوانين مبارك لردع من يعتبرونهم متطاولون.

من حق الإخوان اللجوء إلى القضاء في حالة ما إذا رأوا في أي نقد "تطاولا" لكن بعد أن يتم تنقية ترسانة قوانين مبارك من القوانين المقيدة لحرية التعبير بحيث تتوافق مع المعاير العالمية في الحريات، وعليهم أن يعلموا إنه لا يوجد من بين الأشخاص ما هو مقدس، كما أنه في عالم الأفكار لا يوجد ما هو مقدس أو فوق النقد.

يستطيع الناس التميز ما بين الأخبار الكاذبة والأخبار الصحيحية ويستطيعون أن يحكموا على الأشياء بإعمال المنطق، لكن ما يخيف الإسلاميين هو أنهم يعتمدون على أصوات الأميين وأحاديوا الفكر الذين يربون في مؤسسات مغلقة، لذلك فهم يجنحون إلى محاولة فرض الوصاية على الأفكار خوفا من تأثر من يقعون تحت تأثيرهم. ما يجعل تأثير الهجوم، مهما شت وكذب، محدودا هو الرد العملي بالنجاح على أرض الواقع وتنفيذ الوعود الانتخابية، فلا يعير الأقوياء لمثل هذا النوع من الهجوم انتباها، لأنه عادة ما يرتد هجوم المغرض على صاحبه، أما من يحنث بالوعود ولا يملك رؤية وبرنامجا قادرا على "النهضة" ولا يثق في قدارته فيهتم بصغائر الأمور.

No comments: