Tuesday, January 28, 2014

وقائع جمعة الغضب الأولى

 

بمناسبة مرور ثلاث سنوات على جمعة الغضب الأولى، أنشر تغطيتي لوقائع يوم مفصلي في تطور أحداث الثورة المصرية. هذا التقرير سُلم للنشر في جريدة الشروق (الطبعة الثانية) لكن لأسباب لا أعرفها تم استبعاده بالرغم من إنه كان يغطي جانب كبير من فعاليات اليوم في أماكن مختلفة. التقرير أنشره كما كتبته في ذلك اليوم
 
المصريون اخرجوا مخزون الخوف والغضب وأجبروا الشرطة على الانسحاب
 
استقبلوا الجيش بالتهليل ولم يعلموا أن نزوله لفرض حظر التجول
 
 
 
كتب- مجدي سمعان:
 
انهمرت الدموع من أعين آلاف من المواطنين نتيجة للقنابل المسيلة للدموع أمريكية الصنع لكن مخزون الغضب والكبت كان أقوى من آلاف القنابل التي أمطرت بها أجهزة الأمن المتظاهرين، ومعظمهم من الشباب دون الثلاثين الذين تحدوا بعناد كافة وسائل العنف، وانتهي المشهد بانسحاب أجهزة الأمن مفسحة المجال أمام قوات الجيش التي استقبلها المتظاهرون بالهتاف "الشعب والجيش أيد واحدة" دون أن يعلموا أنها نزلت لفرض حظر التجول.
 
المتظاهرون جاءوا من كافة الخلفيات، كانت الغالبية العظمى منهم من الشباب غير المنتمى للأحزاب والتيارات السياسية. أغلقت المحال التجارية أبوابها، وتصدى المتظاهرون لأي محاولة لتخريب الممتلكات، إلا أنهم استهدفوا المباني التابعة للحزب الوطني وأقسام الشرطة. تركزت المطالب على رحيل النظام الحاكم بكافة وجوهه، وتراجعت إلى الوراء المطالب الإجتماعية، وكانت في الخلفية.
لم يرصد محرر الشروق خلال جولته بمنطقة ميدان التحرير وشارع رمسيس ترديد أي هتافات دينية. استقبل المتظاهرون نزول قوات الجيش بسعادة بالغة. بسبب انقطاع الاتصالات لم يعلموا بقرار حظر التجول الذي اصدره الرئيس وان وحدات الجيش نزلت الشارع لتنفيذ القرار.
وقائع يوم الغضب:
 
الساعة 1:00 ظهرا. أمام مسجد الفتح بميدان رمسيس جنود الأمن المركزي يغلقون الشارع من أمام المسجد. مئات من المتظاهرون بداخل المسجد يهتفون، وحوالي ثلاثة آلاف بالخارج محاصرين بين كردونات الأمن المركزي. بينما عدة مئات آخرون تجمعوا أمام المستشفي القبطي، وقاموا بالقاء الحجارة على الأمن، والأمن يرد بإطلاق القنابل المسيلة للدموع.
1:20 تحدث إلى "الشروق" المتظاهرين بالمسجد، قالوا إن الأمن أطلق ثلاث قنابل مسيلة للدموع عليهم بالداخل. قال أحدهم: يقولون عنا أننا لسنا أحرار و أننا جبناء، لكننا سنثبت أن ذلك غير صحيح"
1:40 فتاة تدعي سهيلة أحمد (25 سنة) تقترب من كردونات الأمن بمفردها وتصرخ في وجوههم "أنتم مش رجالة بتضربونا وبتدافعوا عن مبارك"
أحد المتظاهرون قال للشروق إنه دار بينهم وبين عدد من رجال الشرطة حوار اعتذر خلاله أحد الضباط لهم، وقال لهم: احنا مش عايزين نضربكم بس احنا بنفذ الآوامر، ونقوم بعملنا، ولا حيلة لنا في ذلك"
 
2:00 مئات المواطنين يقفون أعلى كوبري أكتوبر يشاهدون تظاهر حوالي ألفي مواطن أمام فندق هيلتون رمسيس. بينما كانت قوات الأمن المركزي تطلق القنابل المسيلة للدموع بكثافة على المتظاهرين الذين ردوا بالقاء الحجارة.
وهتف المتظاهرون: "حرية حرية كرامة انسانية" و "مش هنسلم مش هنطاطي احنا كرهنا الصوت الواطي" و "أرحل يا مبارك" و "يا مبارك غور غور خلى الشعب يشوف النور"
 
2:10 رفض المتظاهرون إحراق كمين مرور وهتفوا "سلمية سلمية"
2:30 آلاف المواطنين احتموا من القنابل المسيلة للدموع في المنطقة المحيطة بمنطقة ماسبيروا. قام سكان المنطقة بتوزيع مناديل مبللة بالخل، وزجاجات الكوكاكولا والبصل للتقليل من آثار الغاز المسيل للدموع.
 
2:50 حاولنا التوجه من أول شارع الجلاء إلى شارع رمسيس، وأثناء المرور كان هناك ثلاث سيارات شرطة مشتعلة ويتطاير منها دخان كثيف أسفل كوبري أكتوبر، يحجب الرؤية، وفي الشارع المؤدي لشارع رمسيس من أول شارع الجلاء أغلق جنود الأمن المركزي الطريق، وما أن أقتربت حتى سمعت أصوات إطلاق القنابل والرصاص المطاطي. حاول الجنود اللحاق بنا إلا أننا تمكنا من الهرب.
3:00 الوصول إلى مدخل كوبري قصر النيل من جهة التحرير. ميدان التحرير كان مغلقا بالآف الجنود وسيارات الأمن المركزي. بينما عشرات آلاف من المواطنين يحاولون المرور ناحية الميدان، تمنعهم صفوف متراصة من جنود الأمن المركزي، وسيارة مصفحة تطلق على المتظاهرين المياه. تمكنت من المرور خلف الأمن إلى المنقطة المواجهة لفندق سميراميس.
 
تمكن المتظاهرون من الوصول إلى نهاية الكوبري من ناحية ميدان التحرير. هرول أحد قيادات الشرطة ملوحا بيده لصفوف من الجنود بالميدان قاموا بعمل دعم لزملائهم بمدخل الكوبري.
بالرغم من إطلاق الأمن مئات من القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين في الكوبري إلا أنهم تمسكوا بأماكنهم، وقاموا بالقاء عبوات القنابل في النيل. ووقف المتظاهرون في الصفوف الأولي بثبات أمام خراطيم المياه.
3:07 قام عدد قليل من المتظاهرون في الصفوف الأولي بصلاة العصر وفي تلك الأثناء توقفت خراطيم المياه، لم تنتظر الشرطة حتى نهاية الصلاة ووفتحت خراطيم المياه مجددا على المصليين. بعد ذلك كثف الأمن من أعداده وشكلوا صفوفا متراصة ودفعوا المتظاهرين إلى الوراء حتى أعادوهم إلى مدخل الكوبري من ناحية دار الأوبر. وعندما عاد المتظاهرون للوارء قاموا بالقاء الحجارة على الأمن ورد الأمن بالقنابل المسيلة للدموع.
 
3:30 تجمع حوالي 100 شخص خلف صفوف الأمن المركزي المتراصة على كوبري قصر النيل أمام فندق سميراميس، كان بينهم الصحفي محمد عبد القدوس الذي قام بالهتاف وردد ورائه المتواجدين: "يسقط يسقط حسني مبارك"
3:40 بعد حوار دار بين المتظاهرين أمام فندق سميراميس وعدد من رجال الأمن  بثياب مدنية، قام خلاله أحد الشباب بتعنيف الأمن لاستخدام العنف ضد المواطنين وحماية حكومة فاسدة. طلب الأمن من المتظاهرين المغادرة إلا أنهم رفضوا فتم استدعاء جنود من الأمن المركزي حاملين العصي والدروع، طردوا المتظاهرين بالقوة وطاردوهم، فاحتم بعضهم بمدخل فندق سميراميس الذي رفض مسئولوه السماح للدخول إلا لنزلاءه فقط.
 
5:00 في ميدان عبد المنعم رياض أسفل كوبري أكتوبر أضرم المتظاهرون النيران في سيارة شرطة.
 
 5:15 هرول حوالي مائتين إلى داخل فندق هيلتون رمسيس بعدما تحول إطلاق القنابل المسيلة للدموع من إطلاقها في الهواء إلى إطلاقها مباشرة نحو المتظاهرين. وقال أحد المتظاهرين للشروق أثناء تواجده داخل الفندق أنه أحد الأشخاص أصيب بقنبلة في رأسه مما أدى إلى تهشمها. أحد الشباب كان معه قنبه مسيلة للدموع لم تنفجر، قال "انت صحفي أنظر مكتوب علي القبنلة صنع بالولايات المتحدة الأمريكية"
داخل الفندق جلس المتظاهرين على الأرض واستلقى أخرون مصابين بحالة من الاختناق من جراء استنشاقهم للغاز المسيل للدموع.
أحد المتظاهرين قال للشروق: "نريد أن نكون بشرا، نريد أن نحيا حياة أدمية مثلنا مثل بقية الشعوب"
 
الساعة 5:50 عربتي جيش تتجهان نحو مبنى التلفزيون في ماسبيرو قادمتين من كورنيش النيل. وخلفهما انسحاب نحو 20 سيارة امن مركزي، قام المتظاهرون بقذهم بالحجارة.
 
6:10 حوالي 1000 متظاهر يستولون على سيارة من حاملاات الجنود تابعة للأمن المركزي، أعلى كوبري 6 أكتوبر في منطقة ميدان عبد المنعم رياض، ويحاولون دفعها للسقوط من أعلى الكوبري، وبعدما يفشلون، يقومون بتكسيرها وإضرام النار فيها.
 
6:15 إشعال النيران في المقر الرئيسي للحزب الوطني بكورنيش النيل. قام المتظاهرون بإلقاء زجاجات مولتوف داخل مقر الحزب الوطني، فاشتعلت النيران في الخيمة الموجود في باحة الحزب. وفي تلك الأثناء صعد أحد الشباب أعلى المبنى الفرعي داخل المقر، ولوح بعلم مصر بينما هلل المتظاهرون في الأسفل. وفي داخل المقر صعد عدد كبير من الشباب قاموا بالاستيلاء على الأجهزة الموجودة داخل المقر من كمبيوترات وتلفزيونات، وأجهزة كهربائية، وقاموا بإلقاء بعض الكراسي والمكاتب من الشبابيك التي تم تحطيم زجاجها. قام المتواجدون بالشارع باضرام النيران فيما كان يلقيه زملائهم من شرفات الحزب، ومنها صور للرئيس مبارك داسها المتظاهرون بأقدامهم واشعلوا النيسران فيها. ومن بين ما تم إلقائه أوراق بيضاء عليها أسم صفوت الشريف.
 
الساعة 6:23 قام أحد الأشخاص بمحاولة اسقاط اللافتة الرئيسية للحزب. ونجح في ذلك بعد مجهود.
أحد الأشخاص وقف يقول بصوت مرتفع: "لن نتوقف قبل أن يرحل مبارك اليوم" ويرد أخر: "احنا مش شعب جبان"
6:30 إضرام النيران في سيارة أمن مركزي أمام فندق هيلتون رمسيس، تركها الأمن خلفه أثناء انسحابه.
 
ميدان التحرير الساعة 6:35
 
المتظاهرون يملئون الميدان عن أخره. أصوات إطلاق قنابل مسيلة للدموع. المتظاهرون يصرون على البقاء في الميدان رغم كثافة الدخان. دوي انفجار غير معلوم مصدره. سيارة شرطة مشتعلة في وسط الميدان.
 
الساعة 6:40 كثافة القنابل المسيلة للدموع التي كان تطلقها عناصر الشرطة التي ظلت في مدخل الميدان من ناحية شارع القصر العيني. وهو ما أدى إلى تراجع البعض قليلا للوراء نحو ميدان عبد المعم رياض، ولكن كثير ظلوا في أماكنهم بالرغم من حالات الاختناق.
 
الساعة 6:43 شارع قصر النيل من ميدان التحرير آلاف الشباب يقفون يتبادلون أحاديث حول مطالبهم، بينما جلس آخرون على الرصيف للراحة. قال أحد الشباب لمجموعة التفت حوله: "مش كفاية رحيل مبارك، نريد محاكمته ومحاكمة كل الوزراء المتورطين في الفساد، وعلى رأسهم حبيب العادلي وزير الداخلية"
 
6:48 وصلت إلى ميدان طلعت حرب، وأثناء ذلك هلل المتواجدين في الميدان الذي قدر عددهم ببضعة آلاف حين رآوا سيارتين تابعتين للحرس الجمهوري، وقف أعلي أحدهما عدد من الجنود حاملين أسلحتهم. أحاط المتظاهرون بسيارات الجيش وساروا خلفهما يهتفون: "الشعب والجيش أيد واحده" اتجهت السيارات من ميدان طلعت حرب إلى شارع محمود بسيوني.
6:55 في تقاطع محمود بسيوني مع شارع شامليون لم تتمكن السيارتين من مواصلة المسير بسبب التفاف المتظاهرين حولها، وبصوت مرتفع تم تريد النشيد الوطني، ثم اتجت السيارة ببطء وسط الحشود المحيطة بها فرحا نحو ميدان التحرير. ورددا المتظاهرون: "أهو أهو أهو الجيش المصري أهو"  وهتف أخورن "انتصرنا" عند وصول السيارة إلى ميدان التحرير هلل الجمهور فرحا ظنا منهم بتدخل الجيش لتحقيق مطالبهم. لم يكن أحد يعلم أن نزول وحدات الحرس الجمهوري كانت بعد إعلان الرئيس قرارا بحظر التجول بسبب قطع الاتصالات الهاتفية. جنود الحرس الجمهوري بالسيارة ردوا التحية للجمهور، ولم يتحدثوا عن قرار حظر التجول.
في الميدان بدأ الناس يتبادلون التهاني وسط حالة من الشعور بالفرحة. وقام عشرات الأشخاص من بينهم فتيات بالسجود بالميدان وتقبيل الأرض.
7:08 أثناء التوجه من ميدان التحرير ناحية ميدان عبد المنعم رياض، تم رصد شخص يحمل عدد 2 "كيسة" كمبيوتر. قال أنه أحضرهم من مقر الحزب الوطني.
7:13 سماع دوي انفجار قوى لم نتحقق من مصدره.
 
7:15  6 سيارات حرس جمهوري تتجه من ميدان عبد المنعم رياض نحو ميدان التحرير، وسط تهليل الناس. في ميدان عبد المنعم رياض كان هناك سيارتين تشتعلان. وفي الشارع المجاور لفندق هيلتون رمسيس كان هناك ثلاث سيارات شرطة تحترق، بينما كان مجموعة من الأشخاص يقومون بتكسير ميكروباص شرطة ودفعه أمامهم لاخراجه ناحية الميدان وأشعال النيران به.
 
7:30 الوصول أمام التلفزيون. حوالي ألف مواطن يقفون أمام التلفزيون، بينما تقف دبابتين أمام المبني، ودبابتين في الناحية الأخرى من شارع كورنيش النيل. الجمهور يهتف "الشعب والجيش أيد واحده" وطالبوا باصدار بيان من التلفزيون يعلن رحيل الرئيس مبارك. بعض الشباب اعتلى سطح الدبابات ملوحين بعلامة النصر
7:45 مرور أحد وحدات الجيش مكونة من حوالي 10 دبابات وسيارتين صغيرتين خلفهما. استقبلهم الجمهور المتواجد أمام التلفزيون بالهتاف "الشعب والجيش أيد واحده" ووسط الحشد شقت الدبابات طريقها في اتجاه وزارة الخارجية على الكورنيش.
7:50 كانت ألسنة اللهب قد تمكنت من مبنى الحزب الوطني في ظل دخان كثيف.
8:00 مساءا أثناء عودتي إلى مقر الجريدة بشارع البطل أحمد عبد العزيز سيرا على الأقدام لعدم وجود وسائل مواصلات سار معي ثلاثة شباب عائدين إلى منازلهم. قال أحدهم بسعادة "استطيع أن أفتخر الآن بأني مصري"

No comments: