Thursday, May 31, 2012

حلم الشباب العربي المبدع في مواجهة الازدواجية الأمريكية التقليدية



مجدي سمعان

منتدى فكرة

10-5-2012


لو سألت رجل الشارع العادي في مصر عما يجب على الولايات المتحدة فعله لدعم الديمقراطية في مصر، سيرد عليك إما بالسؤال مستنكرا: "وهل حقا تريد الولايات المتحدة دعم الديمقراطية في مصر؟!" أو بالقول: "يتركوننا في حالنا"

ليس فقط رجل الشارع العادي، فحتى الليبراليين العرب، الذي راهن قطاع منهم على أجندة الرئيس بوش للحريات في الشرق الأوسط، أصبحوا الآن متشككين في صدق النوايا الأمريكية، بعد أن خذلتهم الإدارة الأمريكية وتركتهم في منتصف الطريق.

فقدت الولايات المتحدة كثير من مصداقيتها بسبب خطابها المزدوج على مدار عقود بترديد شعارات دعم الديمقراطية وحقوق الانسان من ناحية، ودعم أنظمة غير ديمقراطية على أرض الواقع من ناحية أخرى. والسؤال الآن ليس في كيفية دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في مصر، ولكن في كيفية ترميم علاقاتها مع الشعب المصري، فإن إجلا أم عاجلا سيكون على الولايات المتحدة التعامل مع من يختاره هذا الشعب.

خلال شهادتها في قضية المنظمات الأجنبية العاملة في مصر، قالت فايزة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية، إن الهدف الأمريكي من تمويل المنظمات خلال الفترة بين عامي 2005 و2010 "كان ضغط على النظام السابق بدرجة لا تصل إلى حد إسقاطه."وأشارت إلى أن الولايات المتحدة كانت تستهدف إثارة القلاقل في النظام السابق بما يرسخ الخضوع لها، إلى جانب تحسين صورتها دولياً كراعية لحقوق الإنسان عبر تمويل تلك المنظمات.

لا يبدو لي أن تغيرا جوهريا قد طرأ على تلك الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع مصر ودول الربيع العربي. وبينما يستخدم الشباب العربي أفكارا مبدعة في مواجهة محاولات السيطرة من قبل السلطة الحاكمة، تستخدم الإدارة الأمريكية نفس الاستراتيجية الكلاسيكية، التي استخدمتها منذ سقوط الاستعمار القديم عقب الحرب العالمية الثانية، التحالف مع الأنظمة الشمولية المكروه من شعوبها، والتي يسهل التحكم فيها بالتلويح بالمبادئ الأمريكية في الحرية والديمقراطية، التي تزعج تلك الأنظمة.

إن برامج التدريب المتعلقة بدعم الديمقراطية هي آخر ما يحتاجه المصريين الآن، فهناك شارع سياسي قوي يعرف ما يريد، فالعائق أمام الديمقراطية ليس في جهل المصريين بآالياتها، وإنما في غياب الإرادة السياسية لدى الجيش المتحكم في إدارة البلاد. إن المطلوب من واشنطن هو الكف عن الوقوف في صف القوى المعادية للديمقراطية في مصر سواء في الداخل أو الخارج، وسيتكفل المصريون بباقي المهمة المنوط بهم وحدهم تحقيقها.

استخدم الرئيس المخلوع حسني مبارك ورقة الإسلاميين والسلام في الشرق الأوسط كأدوات لضرب الديمقراطية، وقد يكون اللعب بنفس أوراق مبارك مدخلا لدعم الديمقراطية، وأقصد بذلك الضغط من أجل احلال سلام عادل في الشرق الأوسط بين الإسرئيليين والفلسطينيين من ناحية، الضغط على الإسلاميين للإلتزام بجوهر النظام الديمقراطي، ومن ناحية أخرى.

يمثل الإسلاميون عقبة أمام التحول الديمقراطي في مصر. لا يمكن اعتبار الإخوان المسلمين أو الأحزاب الدينية الإسلامية الأخرى قوى ديمقراطية حتى الآن. يمكن تلخيص الصراع الدائر في مصر منذ انتفاضة يناير 2011 بأنه صراع ما بين القوى الديمقراطية والقوى غير الديمقراطية، المجلس العسكري والتيارات الإسلامية من ناحية، والقوى المدنية الديمقراطية من ناحية. حين خرج الدكتور محمد البرادعي، مرشح القوى المدنية الأبرز من المنافسة على الرئاسة، أصبح صراع السلطة في مصر في الانتخابات الرئاسية المقرر اجرائها أواخر الشهر الجاري بين القوتين التي يشوب مفهومهما للديمقراطية علامات استفهام.

كان الموقف الأمريكي، غير الممانع من وصول الإخوان المسلمين للسلطة، هو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع الجماعة عن قرارها بعدم المنافسة على الحكم في مصر. يدرك الإخوان أن الوضع الإقتصادي في مصر لا يجعلها تتحمل عزلة دولية شبيهة بإيران أو حتى غزة. ليس مطلوبا اقصاء الإسلاميين، فهذا أمر غير واقعي وغير فعال، وإنما المطلوب دفعهم على الالتزام بالقواعد الديمقراطية، التي لا يلتزمون بها حتى الآن. على الولايات المتحدة أن تخبرنا مقدما عن موقفها في حالة ما لم يلتزم الإسلاميون بشروط النظام الديمقراطي التي وضعتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في تصريحتها المتكررة، في حالة وصولهم إلى السلطة. هل ستتعامل معهم في تلك الحالة أم لا؟

قد يكون المجلس العسكري، حليف واشنطن، قد نجح في اجهاض الثورة، ويعمل على إعادة انتاج نظام ديمقراطي صوري يوجهه من خلف الستار لحفظ مصالحه والمصالح الدولية والإقليمية الضيقة، وهو نفس ما تريده واشنطن، لكن السيطرة على تطلعات الشعوب العربية هو أمر صعب، فالشباب الذين يقودون الشارع السياسي الآن لديهم حلم شبيه بحلم غاندي ومارتن لوثر كينج ومانديلا، حلم أن يكونوا جزء من العالم الحر، وجزء من وطن يوفر لهم حياة حرة كريمة. إن الوقوف في صف هؤلاء هو ما سيصب في صالح السلام والمصالح المتبادلة.

حين تتعارض المبادئ الأمريكية مع مصالها فإن الإدارة الأمريكية تفضل المصالح على المبادئ، وهذا حقها وواجبها، لكن لعبة الخطاب المزدوج، بالعمل سرا من أجل المصالح والتجمل بالتظاهر بدعم الديمقراطية، أصبحت لعبة مكشوفة وغير مقبولة، فلن يقبل المصريين أن يتجمل أحد بدمائهم. وعلى الحكومة الأمريكية أن تبحث عن صيغة جديدة للتعامل مع الشرق الأوسط تضع الشعوب في اعتبارها، وأولى الخطوات هى ترميم العلاقة مع الشارع المصري الصاعد بدلا من ترميم النظام العسكري المنهار.

No comments: