Monday, December 10, 2012

أوباما نسي القول: وعلى فكرة أنا مش إخوان




مجدي سمعان:

عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة كان بعض أعضائها يخفون هويتهم، وكثيرا ما كان بعضهم يكتب تعليقات على شبكات التواصل الإجتماعي دفاعا عن مواقف الجماعة، ثم يختتمها بالقول: "وعلى فكرة أنا مش إخوان" عندما تكّشف بعد خروج الإخوان إلى العلن عقب ثورة يناير أن كثير من هؤلاء هم إخوان بالفعل أصبحت جملة "وعلى فكرة أنا مش إخوان" مثار لكثير من التعلقيات الساخرة.

عندما أصدر الرئيس الإخواني محمد مرسي الإعلان الدستوري الذي حصن فيه قراراته من الطعن قضائيا، وحصن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من الحل، وهو ما اشعل موجة جديدة من الثورة في مصر حث الدكتور محمد البرادعي الولايات المتحدة وأوربا على و"كل شخص يهتم حقا بكرامة الإنسان وأتمنى أن يصدر ذلك سريعا». فالرجل استخدم موقف فيه انتهاك واضح للشرعية لاختبار علاقة الغرب والولايات المتحدة تحديدا من التحول الديمقراطي في مصر.

وبينما اتخذ الاتحاد الأوربي موقفا قويا كانت مواقف الإدارة الأمريكية تؤكد ما يهمس به المصريين بأن الولايات المتحدة هي من ضغط وخطط لمجئ الإخوان للسلطة استمرارا لدعمها للشموليات في الشرق الأوسط خدمة لمصالحها، فقد كانت التصريحات ناعمة وتحاول أن تصور الأمر على إنه خلاف ما بين طرفين، وأن عليهم أن يتحاوروا بشأنه، وليس انتهاك صارخ للشرعية ومحاولة للمرور بدستور يؤسس لفاشية إسلامية.

تبنى الرئيس أوباما في تصريحه الذي صدر الجمعة موقف الرئيس مرسي بدعوة زعماء المعارضة بالانضمام إلى الحوار الذي دعا إليه مرسي "دون شروط مسبقة"
لقد تجاهل أوباما الكثير من الحقائق على الأرض، وساوي ما بين رئيس ينتهك الشرعية الدستورية والقانونية، ويدفع بقراراته القضاة إلى الإضراب، والمحكمة الدستورية العليا إلى تعليق عملها، رئيس اثنى على استخدام جماعته للعنف في مواجهة متظاهرين سلميين، وبين حركة سلمية تطالب بالحقوق والحريات وتتمسك بدستور يضمن الديمقراطية لا دستور يؤسس لدولة ثيوقراطية.

كانت تصريحات أوباما من وجهة نظر القوى غير الإسلامية هي انحياز للاسلاميين، ومحاولة لإخراج الرئيس الإخواني من ورطته. فقد دعا زعماء المعارضة بالجلوس مع مرسي دون شروط مسبقة، لكن زعماء المعارضة رفضوا الحوار دون تحقيق مطالبهم الثلاث، وهي إلغاء الإعلان الدستوري، وإلغاء الاستفتاء، وتشكيل جمعية تأسيسية جديدة لوضع دستور أكثر توازنا. ولنفرض أن زعماء المعارضة استجابوا لنصيحة أوباما وذهبوا للجلوس مع مرسي قبل أن يستجيب لهذه الشروط، فسيفقد هؤلاء تأثيرهم في الشارع ومن ثم سيصبح الشارع بلا قيادة، وهو ما سيرجح إمكانية انزلاق الأمور سريعا في اتجاه العنف والفوضى.

وفي نوع من التدليس شبيه بالذي تستخدمه جماعة الإخوان المسلمين دعا أوباما "الزعماء السياسيين إلى أن يوضحوا لمؤيديهم أن العنف غير مقبول" بالطبع سيقول البيت الأبيض عن هذا بالقول أن الرئيس شمل كل الزعماء السياسيين. لكن في هذا تزييف للحقائق، فقادة التيارات غير الإسلامية لم يدعوا أبدا للعنف، وكانت دعواتهم للتظاهر متبوعة بالتأكيد على سلمية المظاهرة، ودأبوا على إدانة العنف. وبالرغم من خروج الرئيس مرسي عن الشرعية الدستورية والقانوينة فقد اتسمت المظاهرات التي خرجت، وهي مظاهرات ومسيرات ضخمة بالسلمية، ففي يوم الثلاثاء الماضي على سبيل المثال خرجت مظاهرة شارك فيها قرابة مليون مصري، وقد حاصر المتظاهرون قصر الاتحادية من كل جانب، وكان القصر في قبضتهم إذا أرادوا الاستيلاء عليه، لكن اليوم مر دون أن يلجأوا إلى العنف، وضربوا مثالا للتظاهر باستخدام وسائل التعبير السلمي، لكن أوباما تجاهل أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي دعت إلى التظاهر أمام القصر في نفس الوقت الذي كان يعتصم فيه معارضون للرئيس، وأنهم هم من قاموا بفض الإعتصام بالقوة واحتجزوا رهائن وقاموا بتعذيبهم، قبل أن يقود هذا إلى اشتباكات غير متكافئة استخدم فيها الإسلاميون رصاص خرطوش بكثافة.
كل هذه الحقائق التي غض أوباما عنها الطرف ولم يدين خروج صديقه الرئيس مرسي عن الشرعية وتحريض حزبه وجماعته على استخدام العنف بشكل ممنهج.
تصريحات أوباما تصب في صالح الترويج لأن مصر منقسمة بين فصيلين، والحقيقة أن استمرار المظاهرات المطالبة بإسقاط الرئيس في طول البلاد وعرضها وخروج مختلف شرائح الشعب من تلقاء نفسها للمشاركة، ومنهم كثيرون يخرجون للتظاهر للمرة الأولى، يؤكد أن هذه ثورة ضد فصيل حاكم فشل في ان يجذب تعاطف جماهيري لاحتجاجاته من خارج قواعده المنظمة.
تصريحات إدارة أوباما، علي ما فيها من خلط للأوراق، يذكرني بما يفعله النظام حينما تقع اعتداء على الأقباط فيصور الأمر على إنه اشتباك طائفي بين طرفين، ويصور الأمر في النهاية على أن كل طرف منهما أخطأ، ويتم تسوية الأمر في جلسات صلح عرفية بعيدا عن القانون يجبر فيها الضحية على الجلوس مع قاتله.

عندما كان نظام مبارك ينهار كانت مواقف الولايات المتحدة مترددة في البداية حينها قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إن النظام في مصر مستقرا. لكن مع الوقت وإظهار الشعب المصري إصرارا في اسقاط رجل أمريكا في مصر، قررت الإدارة الأمريكية إيجاد مقاول آخر لمفاوضته على تسليم مصر إليه وبدوره يبيع لهم الشعب ويضمن مصالحهم، فكانت جماعة الإخوان المسلمون هي الخيار الأمثل، لجماعة اعتادت عرفت ببرجمياتها. لكن ما يحدث الأن يؤكد أن وهم سيطرة الإخوان على.

إن تصريحات المسئولين الأمريكيين الأخيرة تجاه ما يحدث في مصر تفشل في الدفاع عن حلفائهم الجدد، وفي نفس الوقت تبقي على الوهم بأنها تدعم التحول الديمقراطي في مصر. وبسبب هذه المواقف والسياسيات غير مفهومة المغزي، أصبح التيار الليبرالي المصري والأقباط، وهم من كان الأكثر دفاعا عن القيم الأمريكية، أصبحوا الأشد عداءا للحكومة الأمريكية، وأصبح من بين الأمور المتداولة بينهم أن الحكومة الأمريكية ضغطت على المجلس العسكري لتمهيد وصول الإخوان إلى السلطة. إن التبريرات الأمريكية لعلاقتها مع الإخوان شبيه بالحجج الواهية التي كانت تروج فيها لوجود أسللحة دمار شامل في العراق.
وقد كان حري بأوباما أن يختتم تصريحه الأخير بجملة: "وعلى فكرة أنا مش إخوان" 

No comments: