Saturday, December 29, 2012

مصر تأبي أن تسقط في براثن انقلاب الفاشية الإسلامية



 نشر المقال في المصري اليوم الإنجليزي قبل الاستفتاء على الدستور

مجدي سمعان

فًهم الإسلاميون المشوش للديمقراطية الذي قاد إلى تقسيم فلسطين بين فتح وحماس، وأدخل الجزائر في حرب أهلية، وقسم السودان، هو نفسه الذي يسيطر على طريقة إدارة الإخوان المسلمون لمصر. غير أن ما يردد عن أن مصر منقسمة وأنها في طريقها لحرب أهلية هو خرفات، فمصر موحدة أكثر من أي وقت مضى ضد فصيل حاكم، يقوم بانقلاب منظم ضد ثورة ملهمة.

الشعور بالخطر دفع قطاعات شعبية ومؤسسات وقوى سياسية، ما كانت لتتوحد، إلا إذا كان الخطر كبيرا، إلى إلقاء خلافاتها جانبا والعمل سويا للعبور بالبلاد من أكثر كابوس ازعاجا مرت به البلاد.

يصور الإعلام الغربي ما يحدث في مصر على إنه انقساما بين فصيلين، ويأبي المتحدث باسم البيت الأبيض أن يسمي ما يحدث في مصر بأنه ثورة. مصر الآن غير منقسمة. الإنقسام يكون حين يكون هناك فصيلين شعبيين، ولكن أن يخرج مواطنون عاديون في حشود ضخمة، وتتحد مؤسسات البيروقراطية المصري وقوى سياسية لم يعرف عنها الاتحاد يوما، ضد جماعات منظمة أحدها يجلس على كرسي السلطة فهذه ثورة وليس انقساما.

فاللمرة الأولى تقف مؤسسات الدولة العميقة في موقف مناوئ للرئيس، فحتى في اسوأ أيام مبارك قبل انهيار حكمه لم يخسر تأييد أعمدة الدولة الرئيسية، فقد أعلن القضاة إضرابهم عن العمل، وعلقت المحكمة الدستورية عملها للمرة الأولى، إضافة إلى احتجاجات غير مسبوقة للصحفيين ونسيان المحاميون لخلافاتهم مع القضاة.

عقب صدور الإعلان الدستوري الانقلابي بواسطة الرئيس الإخواني محمد مرسي شعر الجميع بالخطر، وبأننا ازاء انقلاب يتجه إلى اختطاف الدولة. رأينا خروج مظاهرات ضخمة غالبية من شاركوا فيها مواطنين عاديين لا ينتمون لأحزاب أو تيارات سياسية، ولأول مرة تتشكل قيادة موحدة للقوى السياسية غير المدنية يُسلِم لها الشارع بالقيادة.

إن ما يروج له الإسلاميون عن انضمام "الفلول" إلى الثوار صحيح، لكن انضمام من قامت الثورة ضدهم يعكس حجم الشعور بالخطر وليس المؤامرة التي تسيطر على عقول من يجلسون على سدة الحكم، فتقاليد ما تبقي من الدولة الحديثة أصبح في مهب الريح.

توحد القضاة في إضراب عن العمل، ليس مؤامرة يقودها النظام القديم، فنواة النظام القديم الصلبة المتمثلة في الجيش هي من أتي بالإخوان إلى السلطة وشاركتهم في اقتسام الوطن. خروج حزب الكنبة الذي كان يؤثر الاستقرار بأي ثمن، عن صمته ليس مؤامرة ولكن شعور بأن دولة الإسلاميين ستطيح بسكينة وادي النيل التي ميزت مصر عبر التاريخ، حتى في أحلك عصور الاحتلال. عائلات بأكملها، كانت ساخطة على الثورة، تقرر الخروج للمشاركة في المظاهرات المليونية التي اجتاحت البلاد، واضعين خوفهم جانبا، أملا في الحفاظ على ما تبقي من حلم العيش في هذا الوطن لأبنائهم.
توحد الصحفيين باختلاف انتمائتهم السياسية ليس مؤامرة ولكنه شعور حقيقي بالخطر على حرية التعبير، التي انتزعوها انتزاعا عبر السنين.
وقوف الأقباط في المظاهرات بهويتهم المصرية، لم يميزها سوي أصحاب العقول الطائفية من شيوخ الإرهاب، صفوت حجازي ومحمد البلتاجي وخالد عبدالله... حين بالغوا في تصوير عددهم تبريرا وهربا من إن هناك ثورة ضدهم جمّعت أناس يحلمون بمصر وطنا نعيش فيه جميعا.


على الناحية الأخري فغالبية من يشاركون في مظاهرات الإسلاميين هم أعضاء في تنظيمات يجلبون في أتوبيسات من كل مكان يمكن أن يكون فيه مؤيد أو متعاطف. وفي ظل محاصرة مقار الإخوان وحرق بعضها لم ينبري مواطنون عاديون للدفاع عن الذين يدّعون امتلاكهم الشرعية الشعبية، والذين لجأوا للدفاع عن أنفسهم بالتهديد والوعيد باستخدام الإرهاب مجددا عن طريق مليشيات أعدوها حين تأتي ساعة الصفر كما قال خيرت الشاطر للأسلاميين للداعية السلفي الشيخ وحيد عبد السلام.

ليس فقط الشعور بالقلق من الانقلاب الديني، ولكن من الإدارة الفاشلة هو الذي يوحد المصريين، فلم يسبق للدولة المصرية أن شهدت مثل هذا التخبط، قرارات تصدر وتلغي في منتصف الليل، ليس مرة ولكن مرات متتالية. وعدم شفافية في إدارة شئون البلاد ودور جماعة الإخوان المسلمين غير المسجلة قانونيا والتي تعمل دون رقابة في توجيه الرئيس.
الشعور بالخطر أيضا تجاه ما يحدث في سيناء، ففي حين سوقت وعظمت الولايات المتحدة لدور مرسي في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين اسرائيل وحماس، فإن العلاقة المريبة بين جماعة الإخوان المسلمين وفرعها في غزة (حماس) تثير كثير من المخاوف خاصة في ظل الوضع الملتبس في سيناء التي أصبحت بؤرة للإرهابيين.
ما يفعله الإسلاميون أيضا ليس كله مؤامرة مع الجيش والولايات المتحدة الأمريكية كما يهتف الثوار في الشارع، فهناك من يوظف عواطف دينية لأناس يحلمون بدولة الشريعة، التي لم تنقى من شوائب الماضي، ولم يظهر محدثون لها من زمن محمد عبده للمصالحة بينها وبين العصر.
كثير من هؤلاء الإسلاميون صادقون لكنهم لا يرون بعقولهم الأحادية، التي تربت على المطلقات، إلا ما يقوله شيوخ الفتنة تجار الدين. فأصبح حلمهم بمثابة برميل بارود كفيل بتفجير مكتسبات الحداثة القليلة التي نمت وسط أشواك الحكم العسكري.
هؤلاء المتشددين الصادقين استخدمتهم الولايات المتحدة في افغانستان، ثم استخدمتهم مجددا كتكأة لغزواتها في المنطقة، ثم عادت لاستخدامهم مجددا لإجهاض حلم الربيع العربي، خوفا من أن تستيقظ شعوب تُستخدم أراضيها كمستودعات للطاقة لمن لا يرون أن هناك بشرا يعيشون فوق تلك الأبار لهم الحق في أن يعيشوا في أوطان حرة، لا أوطان تُسلم شعوبها لفاشيات عسكرية ودينية وقبلية، ومن ثم يكونوا عرائس مارونيت طيعة في يد أصحاب العقول العنصرية.  
وإذا كان الإسلاميون قد جرى تمكينهم في مصر بعد الإطاحة بالرئيس العجوز، فإن ما يجري في مصر يعد لتكراره في سوريا، التي لم تعترف الولايات المتحدة بفصائل المعارضة فيها إلا عندما تم توسيع المجلس الوطني ليضم الإخوان والإسلاميين.

المفارقة إنه في خضم الانقلاب الذي يمرر في صورة استفتاء، كان الإخوان مطمئنون لنتيجه بدرجة لم تجعلهم يلتفتون إلى أن تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض انقاذ بلد على شفا الانهيار، برفع الضرائب سيؤدي إلى غضب شعبي، لم يلتفوا له إلا حين أدركوا أن هناك احتمالا أن تتحول ثورة الشارع الغضابة سياسيا إلى ثورة جياع.
إن ما يحدث فيه من المفارقات شبيه بقصة السيدة التي تعاركت مع أخرى على طفل أدعت كلا منهما إنه أبنها، فلم تبالي الأم المزيفة حين حكم سليمان الحكيم بأن يقسم الطفل بينهما، وكلا منهما تحصل على نصيبها من جثة الطفل بعد أن يفارق الحياة. المفارقة تضع من على سدة الحكم في مكان الأم المزيفة بإصرار الإسلاميون على قيادة الوطن لأن يكون جثة هامدة ليحصلون على قسمتهم، ويحققون حلمهم.

مصر لم تجرب منذ آلاف السنين الحرب الأهلية، ولن تجربها، فلا مكان في الوادي المصري لمن يحمل السلاح ليثير الفوضى، لن يقف معه إلا من ضلله أو استخدمه. ما يروجون له بأنه حرب أهلية مقبلة عليها مصر ليس حربا وإنما ارهابا وقد جربه المصريين قبل ذلك، والخبر السار، في وسط هذه الفاجعة، أنهم مستعدون لدفع ثمن الحرية ضد أي من يريد استلابها مجددا.

ما يحدث في مصر هو انقلاب ديني بإسم الشرعية. سرقة أحلام جيل دفع الثمن، جيل كان يطمح بأنه بعدما تخلص من قيود حكم مبارك العسكري سيجنى ثمار الحرية والعدالة والكرامة، فوجد نفسه في كابوس مفزع يخيره ما بين حكم فاشي ظلامي، وما بين إرهاب لا قلب له. لكن ثورة مصر لم تمت ولازال هناك فائض من قصص ملهمة يقدمها أبطال يسيرون بيننا كل يوم، ليس أولهم أحمد حرارة ولن يكون آخرهم الحسيني أبو ضيف.


No comments: