Thursday, March 22, 2012

الانتخابات المصرية: “بروفة جنرال” لحجم الإسلاميين


by Magdy Samaan on Tuesday, November 29, 2011 at 4:40pm
EgyptSource
قبل تقديم عرض مسرحي جديد، يؤدي المشاركون في العمل بروفة أخيرة تسمى “بروفة جنرال” لقياس مدى إتقان الأبطال للنص وردود الفعل الأولية قبل الوقوف على خشبة المسرح حيث لا مكان للخطأ أو التراجع. في 28 نوفمبر المقبل تشهد مصر أول انتخابات برلمانية بعد الثورة تعد بمثابة “بروفة جنرال” لقياس مدى قوة التيارات السياسية المختلفة وعلى رأسها التيارات الإسلامية، لكنها لن تحسم سؤال: من سيحكم مصر.وبعكس الانتخابات التونسية التي حددت نصيب التيار الإسلامي ممثلا في حزب النهضة من كعكة الحكم بـ41%، فالفائز في الإنتخابات البرلمانية المصرية لن يشكل الحكومة، فمهمة البرلمان الانتقالي الأساسية هي الإشراف على صياغة الدستور الجديد، بينما سيظل المجلس العسكري ممسكا بزمام السلطة لحين إجراء انتخابات رئاسية، لم يعلن عن موعد إجرائها بعد، وإن كان يفترض أن تجرى عقب الانتهاء من الدستور أواخر العام المقبل، ثم يعقب ذلك انتخابات برلمانية أخرى، سيتحدد أهميتها بناء على شكل الحكم الذي سيقرره واضعوا الدستور، ففي حالة اختيار نمط حكم الجمهورية البرلمانية فستكون الانتخابات البرلمانية هي الفاصلة في تحديد من سيحكم مصر.وبالرغم من أهمية الدستور الجديد على مستقبل الحكم في مصر، لكن نسبة الإختلاف ليست كبيرة، فالتيارات السياسية الرئيسية شبه متفقة على الخطوط العريضة له، وأهمها بقاء المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، مع النص على حماية حقوق المواطنة والمساواى بين المواطنين، وبالطبع فإن تفسير المادة الثانية هو ما سيفرق ما بين ما يعرف بالتيارات المدنية والإسلامية في الحكم.لكن الانتخابات المرتقبة على أي حال ستعطي مؤشرات لتوجهات الناخبين المصريين البالغ عددهم 50 مليون ناخب تقريبا، غالبيتهم يدلون بأصواتهم للمرة الأولي في انتخابات برلمانية، كما ستعطي فرصة للأطراف المختلفة لترتيب أوراقها قبل الجولة الحاسمة.ويعتبر البعض أن نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس الماضي، التي أيدتها التيارات الإسلامية ودعوا المواطنين لتأييدها، ووافق عليها 77% من الناخبين، بينما استجاب لدعوة التيارات والأحزاب المدنية برفضها 23% فقط، بأنها مؤشرا لقوة التيار الإسلامي، لكن الظروف التي احاطت بالاستفتاء تختلف عن الظروف المحيطة بالانتخابات البرلمانية، فقد جرت في النهر مياه كثيرة.وقد سارعت التيارات المدنية بعد استفتاء مارس بالتأكيد على موافقتها على بقاء المادة من الدستور التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. ولإحداث توازن ما بين النص على المادة الثانية وضمان بقاء الشكل المدني للدولة بادر الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل للرئاسة، بإصدار ما أسماه بوثيقة المبادئ فوق الدستورية، (عدل التسمية فيما بعد لتكون المبادئ الحاكمة للدستور بعد اعتراض الإسلاميين على المسمى الأول) وذلك لضمان الحقوق والحريات الأساسية في ظل بقاء المادة الثانية من الدستور، وتلا ذلك صدور العديد من الوثائق بلغ عددها حوالي 10 وثائق، أهمها: وثيقة الأزهر، وثيقة منظمات حقوق الإنسان، ووثيقة التحالف الديمقراطي، الذي قاده حزب الحرية والعدالة، الزراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوفد شبه الليبرالي، وانضم إليه 39 حزبا وقوة سياسية اشتركت في وضع وثيقة تحدد المبادئ الأساسية للدستور.واتفقت غالبية هذه الوثائق على الإبقاء على المادة الثانية من الدستور مع النص على الإلتزام بمواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية، وحماية حقوق المواطنة، وبالتالي فالدعاية التي استخدمتها التيارات الإسلامية خلال الإستفتاء بالقول بأن التيارات الليبرالية واليسارية والأقباط يريدون تغيير هوية الدولة الإسلامية مردود عليها بعد أن وافقت هذه التيارات على الإبقاء على المادة الثانية من الدستور.أما نقاط قوة التيار الإسلامي فمعروفة، ولا تحتاج لتأكيد، ومنها التمويل الجيد، ودعم دول الخليج التي تطبق النموذج الإسلامي في الحكم الذي يسعى السلفيين للإاقتداء به، والتنظيم الجيد خاصة لجماعة الإخوان المسلمين، ووضوح البرنامج المتمثل في إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية، وسيطرتهم على ميكروفونات المساجد، وارتفاع نسبة الأمية..لكن على الجانب الأخر فقد يكون للظهور المكثف للتيارات الإسلامية وخاصة السلفيين، وما صاحبه من تصريحات مثيرة للجدل، وعنف لفظي، وأحداثا طائفية، كانوا في بعض الأحيان محركا لها، أثرا سلبيا على التيار الإسلامي بشكل عام، وقد يكون بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها، وهو ما قد يجعل المواطن المصري العادي يخشي عواقب التصويت لهذه التيارات.
 
معضلات التحول في مصر:
وفي حين يبدو التحول الديمقراطي يسير بشكل سلس في تونس، فإن الانتخابات في مصر تواجه صعوبات جمة، فعلاوة علي عدم الإستقرار الأمنى، والضغوط والتدخلات من الأقليمية المعادية لتحول مصر إلى ديمقراطية فهناك معضلتين خيل للبعض أن الثورة المصرية، التي أظهرت درجة من الوعي الكبير قد تجاوزتهما، وهما علاقة العسكر بالحكم، وعلاقة الإسلاميين بالديمقراطية. فالمجلس العسكري يدير البلاد بنفس عقلية نظام مبارك، مما أدي إلى توتر متصاعد في علاقته مع القوى المدنية، فالجيش الذي حكم قادته البلاد منذ انقلاب يوليو 1952 وراكم مصالح ونفوذ يبدو مترددا وغير واضحا في قيادته للعملية الانتقالية ومن ثم تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة.أما الأحزاب والتيارات الإسلامية، فالبرغم من الاجتهادات ومحاولة التوفيق بين النظام الديمقراطي ونظام الحكم الإسلامي، أو بمعني أخر “أسلمة الديمقراطية” لكن هذه المحاولات لم تصل إلى درجة التقدم التي وصل لها حزب النهضة التونسي، ذو المرجعية الإسلامية.ويحاول المجلس العسكري استغلال الحضور الإسلامي القوي والمقلق لتصدير فكرة وصايته على حماية الدولة المدنية، وقد ظهر ذلك في وثيقة المبادئ الدستورية التي أصدرها نائب رئيس الورزاء علي السلمي، والتي تجعل الجيش فوق المحاسبة.وقد دأب الإخوان على التأكيد على أنهم لا يسعون للوصول للحكم في هذه المرحلة، واستمرار تبنيهم لشعار “مشاركة لا مغالبة” ومن المرجح أن يلتزموا بما قطعوا على أنفسهم من عهد، لأسباب عديدة أهمها أن الحكم في الفترة المقبلة سيكون مهمة صعبة، قد يؤدي فشلهم فيها إلى إنهيار التنظيم العتيد. أما التيارات السلفية فتهدف إلى استغلال الظرف التاريخي للوصول للسلطة لإقامة دولة الشريعة.ولا يبدو أن الأحزاب ذات الطبيعة المدنية قد استعدت بشكل كاف للمنافسة، كما أنها انشغلت بمعارك جانبية خلال الشهور التي تلت سقوط النظام، وفشلت في تكوين تحالف مدني قوي في مقابل التحالف الإسلامي، بل أن بعضها تحالف مع الإخوان في الانتخابات ضمن “التحالف الديمقراطي من أجل مصر” مثل حزب “غد الثورة” الذي يقوده الدكتور أيمن نور، المعارض السياسي الشهير.لكن وبالرغم من قوة التيار الإسلامي، تنظيميا وماديا، إلا أنه من المتوقع ألا يحصل أي من التيارات السياسية على أغلبية مريحة.ملامح خريطة سياسية جديدةبعد أن تصدر حزب النهضة انتخابات الجمعية التأسيسية في تونس، ينتظر أن تكمل الانتخابات المصرية الجملة فيما يتعلق بوضع ونصيب الإسلاميين في دول الربيع العربي. وستعطي نتيجة الانتخابات المصرية مؤشرا لشكل خريطة العالم العربي السياسية في المستقبل.وتدعم السعودية سيناريو وصول الإسلاميين الأكثر تشددا لحكم مصر، وهو ما سيخلق تكتلا إسلاميا يضم دول الربيع العربي إلى جوار دول الخليج، وهو ما يتمناه آل سعود لتقوية نفوذهم بعد أن كانت عروشهم مهددة.ويأتي قرار إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية في هذا التوقيت ليصب في صالح تقوية التيار الإسلامي، بينما أظهرت الإدارة الأمريكية استعدادا للتعامل مع شرق أوسط إسلامي، بتصريحاتهم عن قبول وصول الإخوان للسلطة إذا جاءوا في انتخابات نزيهة، بالرغم من أن الإخوان أنفسهم لم يعلنوا أنهم يسعون للسلطة.وعلى أي حال فهناك واقع يشير إلى أن دول الربيع العربي تستعد لدخول عصر جديد يتولي فيه الإسلاميين الحكم أو يشاركون فيه. لكن في ظل التباس مفهوم الديمقراطية لدى التيارات الإسلامية فثمار الربيع العربي لن تكون ناضجة، والمستقبل مرشح لصراع سياسي ايديولوجي، لا تنافس سياسي يدفع نحو التقدم وحل المشاكل المزمنة التي تكونت عبر عقود من الحكم العسكري الذي تميز بفقر الخيال وسوء الإدارة.
 

No comments: