Thursday, March 22, 2012

عندما تتحول الانتخابات الديمقراطية إلى انتخابات ثيوقراطية


مجدي سمعانAtlantic Council Rafik Hariri Center for the Middle East
قبل أن تذهب ماريان شكري من مدينة أولا صقر بمحافظة الشرقية بمصر للإدلاء بصوتها كان عليها أن تتصل برقم خاص للشركة المصرية للاتصالات (شركة حكومية) لمعرفة البيانات الانتخابية الخاص بها. رد عليها موظف "السويتش" وقبل أن يعطيها البيانات الانتخابية الخاصة بها فاجأها بالسؤال: "لمن ستدلي بصوتك؟" ردت عليها وهي متفاجئة: "لا أعلم بعد" فأجاب: "طبعا ستعطي صوتك لحزب النور" يحلو للكثيرين اغماض أعينهم عن التجاوزات الجسيمة التي شهدتها انتخابات مجلس الشعب المصري للقفز إلى نتيجة مفادها أن الانتخابات كانت "حرة ونزيهة" لكن من وجهة نظري فالانتخابات لم تكن كذلك، فالتعاطف والمساندة التي لاقتها الأحزاب الإسلامية لم تكن فقط من موظف "السويتش" بل أيضا من قضاة وموظفين من المشرفين على الانتخابات طبقا لكثير من تقارير متابعة الانتخابات، هذا التعاطف عززه من ناحية أخرى تغاضي اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات عن خروقات جسيمة للقانون والدستور خلال العملية الانتخابية، وخاصة من جانب الأحزاب الإسلامية. من لم يتصل وذهب للجنة الانتخابية مباشرة، مثل كثير من البسطاء والأميين، كان بانتظارهم أمام اللجنة خيمة مجهزة بها شخص ينتمي لحزب الحرية العدالة الإخواني، يجلس خلف كمبيوتر ومعه البيانات الخاصة بالناخبين. بعد أن يقوم هذا الشخص بكتابة بيانات الناخب على ورقة دعائية عليها صورة مرشح حزب الحرية والعدالة يكتب له أسماء مرشحي الحزب ورمز القائمة، ووفي ظل تكدس استمارة الإقتراع بالأسماء لا يجد الناخب من يعرفه سوى هذا الشاب المبتسم، والذي سبق وأن قدم حزبه بعض السلع التموينية له، والورقة الاسترشادية التي في يده. وبالرغم من شكوى القوى السياسية من هذه الممارسة المخالفة لقانون الانتخابات الذي يحظر الدعاية الانتخابية في يوم الإقتراع، إلا أن الجنة العليا المشرفة على الانتخابات لم تتخذ أي إجراء على مدى الثلاث مراحل الانتخابية لوقفها. ومن ناحية أخرى كان السلفيون يستخدمون المساجد كمقار انتخابية، ليس هذا فقط، وإنما استخدمت دعاية دينية وطائفية هي محظورة بحكم الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات، وأصبح الخيار كنتيجة لذلك هكذا: "انتخب الكتلة المصرية التابعة للنصارى بقيادة رجل الأعمال نجيب ساويرس، أو انتخب حزب النور أو الحرية والعدالة "لنصرة الإسلام" أو "لتدخل الجنة" ووصل الأمر إلى تكفير من ينتخب قائمة الكتلة أو يصوت للأحزاب الليبرالية. كما لم تسائل الحكومة الأحزاب الإسلامية على تخطي حملاتها الدعائية والانتخابية سقف الإنفاق المالي المسموح به، وعن مصدر هذه الأموال الهائلة التي كان لها الكلمة العليا في الإستعداد الجيد للانتخابات، كما تغاضت عن التحقيق الجاد في اتهامات من مصادر مختلفة عن تلقي هذه الأحزاب لأموال من دول الخليج. يأتي هذا في وقت يشن فيه المجلس العسكري حملة منظمة لتشويه صورة التيارات السياسية العلمانية والمجتمع المدني بإلصاق تهمة تلقي تمويلات أمريكية، بالرغم من أن هذه التمويلات تمر عبر قوانين منظمة وتشرف عليها الحكومة- ولا يقتصر الأمر على التشويه فقط بل واكبه استخدام مفرط للقوة في مواجهات سقط خلالها أكثر من 60 قتيلا من الناشطين السياسيين الشباب، الذين ناهضوا سياسات المجلس العسكري في توجيه العملية الانتقالية في اتجاه ينفي عنها كونها عملية ديمقراطية. بينما تغاضت السلطات الحاكمة بقيادة المجلس العسكري عن قيام مجموعات سلفية بالدعوة على موقع الفيس بوك لتأسيس هيئة بإسم "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" على غرار السعودية، ولم تكتفي بالدعوة وإنما عرضت مكافأة مالية قدرها 500 جنيه شهريا لمن ينضم إليها، وأستوردت شحنة صواعق كهربائية، صادرتها السلطات من ميناء السويس لكن لم تفتح تحقيقا مع من استوردها، وقام بعض السلفيين بالفعل بالاحتكاك بالمواطنين لنهييهم عن "المنكر" تبادل الخدمات بين المجلس العسكري بدأ منذ وقت مبكر من المرحلة الانتقالية، فقد دعم الإسلاميون الإستفتاء على التعديلات الدستورية الذي فرض بمقتضاة المجلس العسكري سيناريو للمرحلة الانتقالية لازالت البلاد تعاني من تبعاته، ورد العسكر ذلك بمنح تراخيص للأحزاب الإسلامية بالمخالفة للدستور وقانون الانتخابات الذي يحظر انشاء أحزاب سياسية على أساس ديني، والآن يجني الإسلاميين ثمار سيناريو المرحلة الانتقالية الذي وضعه العسكر، ويسعون لاقناع القوى السياسية بضمان عدم محاسبة قادة الجيش على أفعالهم قبل وبعد الثورة. وتتجه التيارات الإسلامية إلى الفوز بنسبة ثلثي مقاعد البرلمان، وهو ما سيجعل لها الكلمة العليا في تقرير مسار العملية السياسية في مصر، وصياغة دستور ما بعد الثورة، وسيضع البلاد في مفترق طرق ما بين اندماج الإسلاميين في عملية سياسية ديمقراطية أو تحقيق حلم إقامة الدولة الإسلامية الذي سيفتح موجة ثانية من المواجهة ليس فقط مع المجلس العسكري ولكن مع أصحاب الأغلبية من الإسلاميين

No comments: