أكد الأنبا موسي، الأسقف العام للأقباط الأرثوذكس، أنه يرفض القول بأن الكنيسة تحتاج إلي إصلاح، لأن معني ذلك أن الكنيسة بها فساد، مشيراً إلي أنه كان من الأجدر القول بالتطوير الكنسي وليس الإصلاح.
ودافع في حوار مع «المصري اليوم» عن الكنيسة والبابا شنودة، مؤكداً أن الكنيسة لا تؤمن بعصمة أحد، كما أن البابا شنودة لا يؤمن بعصمة نفسه، مشيراً إلي أن البابا شنودة يتقبل النقد، ويدير الكنيسة بشكل ديمقراطي من خلال عدم اختيار كاهن أو أسقف إلا بعد موافقة شعب الكنيسة عليه. وأكد أن الكنيسة ترفض أفكار الأب متي المسكين، لأنه نادي ببعض الأمور التي لا يمكن تقبلها، مثل حذفه إصحاح كامل من الكتاب المقدس، مشيراً إلي أن بعض تلاميذ الأب متي يرددون أفكاره التي اعترض عليها قداسة البابا دون تفكير موضوعي فيها.
.. أثار مؤتمر إشكاليات الكنيسة جدلاً واسعاً.. فما ملاحظتكم علي هذا المؤتمر؟
ـ إن دعوة هذا اللقاء «بالمؤتمر» أكبر من حجمه كثيراً، فعدد الحضور كان ٢٥ في اليوم الأول، وازداد قليلاً في اليوم الثاني، وقد تعودنا أن تكون المؤتمرات بأعداد أكبر، لأناس من ذوي الاختصاص، وليس لأناس أغلبهم بعيد عن العمل الكنسي.
ودعوة منظمي اللقاء أنفسهم بـ«العلمانيين» هي تسمية خاطئة، فالعلماني «بفتح العين» هو الإنسان المرتبط بالعالم وبشهواته، أما نحن فنفضل استخدام كلمة «المؤمنين» الذين بلا رتبة كنسية، وتسمية اللقاء بـ«إشكاليات كنسية» يعطي انطباع جو المشاكل والسلبيات، بدلاً من النمو في اتجاه الإيجابيات.
كذلك استخدموا تعبير «الإصلاح الكنسي» و«إصلاح» يعني أن هناك فساداً يتصوره أصحاب هذا التعبير. إن اعترافنا بالضعف البشري لا يعني قبولنا تعبير الفساد والإصلاح.
تصور أن أحدهم قال إن الناس يتمنون عودة الكنيسة إلي الحياة من جديد، فهل هذا مقبول، بينما هم يرون مجهود قداسة البابا طوال ٣٥ عاماً من الخدمة الأمينة.
.. هل تري أن الكنيسة لا تحتاج إلي إصلاح؟
ـ كلمة إصلاح معناها أن هناك فساداً، وهذا عيب، كان من الممكن أن يقولوا تطوير العمل الكنسي.. لماذا لا ينظرون إلا إلي السلبيات فقط؟ لماذا لا ينظرون إلي الإيجابيات؟
إن اجتماع مجموعة من الإخوة لدراسة شؤون كنسية، ينبغي أن يتم داخل الكنيسة لا خارجها، فالكنيسة هي شركة المؤمنين مع الإكليروس، مع مرجعية الكتاب المقدس والتقليد الرسولي، لهذا فاجتماع «علمانيين» فقط هو انعزال وانقسام وعدم تكامل في الدراسة والرؤيا وذلك لغياب الإكليروس بدرجاته المختلفة.
ومع تقديرنا للأخوة الأحباء ـ الذين تمت دعوتهم من أخواتنا المسلمين والكاثوليك أو البروتستانت ـ إلا أن السؤال هو: ما معرفة هؤلاء بالشأن الكنسي اللاهوتي والتقليدي؟! بينما هذا هو الهدف الأساسي من اللقاء!
لقد سادت روح الإدانة للقيادات الكنسية علي اللقاء بدون وجه حق، وهذه خطية ينبغي الاعتراف بها والتوبة عنها وهذا ما نرجوه للجميع.
.. ما رأيكم في الورقة المقدمة من الراهب الذي انتقد فيها البابا شنودة؟
ـ هل يليق بأي راهب ـ المفروض أنه تفرغ للعبادة في الدير ـ أن ينشغل بالشأن الكنسي ويتحدث عنه، تاركاً حياته الرهبانية ومتدخلاً في أمور كثيرة، لا درسها، ولا عرف أعماقها؟!
وهل يليق أن يهاجم راهب رأس وقيادات الكنيسة بهذه الألفاظ المرة «فالبابا قاس» يعزل ويستبعد من مناصب الكنيسة من يراهم معارضين له أو متفقين مع المعارضين، وأن قداسته أساء إلي سمعة الكنيسة القبطية والدولة المصرية معاً.
.. البابا متهم بأنه قاس؟
ـ إن هذا الاتهام هو اتهام باطل، فالمحاكمات الكنسية تتم بطريقة عادلة، ولمن يحاكم، حق الدفاع عن نفسه، والاستعانة بمن يراهم ـ وبأي وسائل ليحقق ذلك والمجلس الإكليربيكي يبدأ بالتنبيه في الأخطاء الأولي، ثم التحذير ثم العقوبة الكنسية عند تكرار الأخطاء والإصرار عليها، والكثير ممن حوكموا لم يحتجوا، لأن الأدلة ثابتة وكل هذه المحاكمات موجودة في ملفات، والكنيسة لا تنشر حيثيات أي عقوبة حفاظاً علي السمعة، ومقدمة فرصة للتوبة والعودة إلي الوضع الأول..
إن العقوبة الكنسية هدفها الإصلاح وخلاص النفس، وبمجرد تنفيذها يعود الشخص إلي وضعه الأول، متمتعاً بمحبة ورعاية كاملة.
.. هل هناك معارضة داخل الكنيسة؟
ـ إن لفظ المعارضة لفظ غير كنسي، فالكنيسة يرشدها روح الله، ويجب أن يكون لها رأي واحد وقلب واحد وفكر واحد، يأتي من خلال حياة الشركة. إن الكنيسة هي جسد المسيح فهل من المعقول أن ينقسم الجسد؟ وأن تثور بعض أعضائه علي باقي الأعضاء؟!
ومعروف أن قداسة البابا يلتزم بمبدأ «من حق الشعب أن يختار راعيه»، ويهتم بكل رأي، لدرجة أن أحد المرشحين للكهنوت حصل علي ٧٨ صوتاً ورفضه صوتان، وكنت مشرفاً بنفسي علي التصويت، ولكن قداسة البابا أصرّ علي أن يعرف رأي الشخصين، وقال لي: لعل عندهما أموراً مهمة تمنعنا من الرسامة؟
.. هل استعار البابا شنودة نظرية عصمة البابا من الكنيسة الغربية كما ادعي الراهب؟
ـ يستحيل.. فنحن لا نؤمن بعصمة أحد، ولا البابا يؤمن بعصمة نفسه، والبابا يطرح كل شيء للمناقشة ونختلف معه دون أن نختلف عليه.
.. من يحاسب البابا إذن؟
ـ المجتمع المقدس هو السلطة العليا في الكنيسة، بنص اللائحة، وباعتماد قداسة البابا نفسه.
.. وماذا عما ورد في ورقة الراهب بأن مخالفة البابا خطية أعظم؟
ـ هذا كلام بلا سند، ويستحيل أن يقصد قداسة البابا ذلك.
.. ولكن الراهب ذكر أن البابا هو الذي قال ذلك؟
ـ لا أعرف من أين أتي بهذا الأمر، يجب أن يذكر لنا مصدر أقواله ولكن من خبرتنا مع البابا، عمره ما قال هذا، لكن الكتاب المقدس هو الذي يعلمنا: «رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً»، وهذا الراهب إذا كان من نخمن أنه هو الذي كتب هذه الادعاءات، أراد البابا أن يحاكمه، لبعض أخطائه اللاهوتية، ولكنه تركه ـ حتي الآن ـ ليحاكم نفسه، رغم الكلام القاسي الموجه منه إلي قداسة البابا.
ولقد قال الراهب إن البابا «يواجه النظام الحاكم ويسيء إلي سمعة الدولة المصرية» فهل أصبحت المطالبة بحقوق الأقباط سبة في جبين من يجاهد في سبيلها؟ وماذا فعل العلمانيون ومن يشايعونهم في سبيل حل المشكلات الكثيرة التي تواجه الأقباط من آن لآخر؟!
.. هل تعرفون من هو كاتب الورقة؟
ـ نحن نخمن، من خلال أسلوبه ومن خلال الكلام الذي سمعناه.. ونحن لا يهمنا من هو الكاتب، بل ماذا كتب!
.. لماذا إذن لم يكتب اسمه علي الورقة، هل يخاف من أن يتعرض لعقوبات كنسية؟
ـ لو أردنا معاقبته كنا استدعينا من نشك في أنه هو كاتب الورقة، ونسأله: هل أنت من كتب هذه الورقة؟ هل يستطيع الإنكار؟ هذا لن يكون سلوكاً رهبانياً.. وهل هذا سلوك روحاني أن يتحدث راهب عن رأس الكنيسة وقيادتها بأسوأ الألفاظ ويصل المدي ـ لأنه لم يفهم ما قاله البابا عن موضوع الإفخار ستيا ـ لأن يقول إن هذه نسطورية؟!
.. لماذا لا تعقد الكنيسة مؤتمراً لمناقشة القضايا التي يثيرها هؤلاء الأشخاص؟
ـ لقد عقدنا مؤخراً مؤتمر «العقيدة الأرثوذكسية» وكان فيه رد شامل علي كل هذه الأشياء.
.. لماذا لم تدع هؤلاء الأشخاص لمناقشتهم فيما يعرضون من أفكار؟
ـ المؤتمر موجود علي الإنترنت، يستطيعون أن يسمعوه.
.. أقصد لماذا لم تدعهم إلي المؤتمر لمناقشة أفكارهم بشكل مباشر؟
ـ لقد أثبتنا لهم أنهم مخطئون، وقلنا لهم أنتم مخطئون، فإذا كنت متمسكاً بخطئك، فهل نتركك ونترك الخطأ يستشري في الكنيسة؟ حين حذف أحد غالبية إصحاح من الإنجيل، وهو مرقس ١٦ هل نتركه يفعل ذلك؟! مستحيل!
.. كيف حذف؟
ـ قال إن من الآية التاسعة إلي نهاية الإصحاح فقد، وهذا ادعاه بعض المحدثين الليبراليين فهل أسير وراءهم؟ هذه الآيات موجودة في النسخ الأصلية، وموجودة أيضاً في كتابات الآباء، وقد فسرها الكثيرون منهم، فهل يريدوننا أن نصمت إزاء هذا؟! طبعاً لا!
.. ذكر الراهب أن البابا تهكم علي الأب متي المسكين؟
ـ أبداً البابا لا يتهكم علي أحد ولكنه يناقش الأمور بموضوعية، وهناك فرق بين أن نأخذ جوهر الموضوع أو نتكلم عن الشكليات.
.. هل هناك اختلافات أخري في فكر الأب متي المسكين ترفضها الكنيسة؟
ـ نعم، فموضوع شركاء الطبيعة الإلهية هو أحد هذه الأفكار، التي أخذها هذا الراهب، بدون أن يناقشها موضوعياً.
.. هل تمت مناقشة أفكار الأب متي المسكين؟
ـ طبعاً.. فالبابا ناقشها في الإكليركية وناقشها مع الأساقفة، وناقشناها في مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية وكل ذلك في حياة الأب متي المسكين، وقد صُدرت ببعض الكتيبات تحاول أن تدافع عن هذه الأفكار بدلاً من تصحيحها.
.. أقصد أنه في عصر الكنيسة الأولي حينما كانت تظهر أفكار جديدة كان يتم عقد مجمع لمناقشة الشخص في أفكاره؟
ـ حين بدأ أبونا متي يكتب أشياء خاطئة من ناحية العقيدة في كتاباته ـ منذ حوالي أربعين سنة ـ وخصوصاً عن الروح القدس في كتاب العنصرة، وأرسل هذا الكتاب إلي البابا لمراجعته، أرسل له قداسة البابا خطاباً بخط اليد، وقال له إن في الكتاب أخطاء ذكرها له. وقد كتب البابا الخطاب بخط اليد، وليس بالآلة الكاتبة، حتي لا يقرأه أحد ويسبب إحراجاً للكاتب، وحرصاً علي مشاعره، لكن الأب متي لم يهتم، وأصدر طبعات أخري من الكتاب كما هو، فكيف يخاطبه البابا مرة أخري؟ ولكن البابا بعد ذلك كلما وجد تعاليم خاطئة ينبه عليها حتي لا تسري هذه التعاليم في الكنيسة.
.. إذا كانت أفكار الأب متي المسكين تثير هذا الجدل، فلماذا لا يدعي تلاميذه وتناقش هذه الأفكار في مؤتمر موسع؟
ـ بصراحة تلاميذ الأب متي لا يريدون مناقشة شيء، كل شيء يقوله يأخذونه دون مناقشة، وهذا خطأ منهجي لقد فضلوا أن يسيروا منعزلين عن التيار الكنسي العام، وقد حاول البابا دمجهم مع الكنيسة وإعطاءهم إدارة مدرسة سان مارك، لكنهم فضلوا العودة إلي الدير. فماذا يفعل البابا؟!
.. هل تلاميذ الأب متي المسكين يديرون دير أبومقار؟
ـ رئيس الدير هو نيافة الأنبا ميخائيل وهو مقيم في أسيوط ولا يذهب كثيراً إلي الدير، وهو شيخ المطارنة جميعاً.. أطال الله حياة نيافته.
.. يقال إن مدرسة أبومقار هي التي تتبني أفكار الأب متي؟
ـ نعم، فدير أبومقار هو دير الأب متي.
No comments:
Post a Comment